. موقع الأسرة في الكتاب والسنة
تحتل الأسرة مكانة عظيمة في الإسلام، فهي نواة المجتمع وأساس بنائه الأخلاقي والاجتماعي.
وقد أولى الإسلام اهتمامًا بالغًا بالأسرة، بدايةً من نشأتها وتكوينها، ومرورًا بدورها التربوي والاجتماعي، وانتهاءً بحمايتها من التفسخ والانهيار.
زقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة عشرات الآيات والأحاديث التي تؤكد على أهمية الأسرة وتحض على تماسكها واستقرارها منها:
قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
كما بيَّن الرسول ﷺ أن “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”، ومن ذلك أن الرجل راعٍ في بيته، والمرأة راعية في بيت زوجها.
واهتم الفقه الإسلامي بتنظيم الأسرة من حيث الزواج، النفقة، الحضانة، الحقوق والواجبات، والطلاق، وغيرها من القضايا، مما يعكس إدراك الشريعة الإسلامية العميق لدور الأسرة في صناعة الاستقرار.
فاهتمام الإسلام بالأسرة لا يقتصر على النواحي النظرية أو الوعظية، بل يتجسد في نظام متكامل يعالج أدق تفاصيل الحياة الأسرية، ويهدف لضمان الاستقرار، والرحمة، وتحقيق مقاصد الشريعة من حفظ النسل والدين والعقل والمال.
وإذا ما تم الالتزام بتعاليم الإسلام في بناء الأسرة، فإننا نضمن مجتمعًا متماسكًا، قادرًا على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية الأخلاقية والاجتماعية.
. تعزيز موقعها في المجتمع وحمايتها
حرص الإسلام على تعزيز مكانة الأسرة داخل المجتمع من خلال بناء ثقافة تقوم على الاحترام المتبادل، وصلة الرحم، والإعانة المتبادلة.
فحماية الأسرة تعني في جوهرها حماية المجتمع من التفكك والانحلال.
ومن مظاهر تعزيز مكانة الأسرة:
التحريم الصارم للفواحش: حيث تحرم الشريعة الزنا والعلاقات غير المشروعة، وتحفظ بذلك بناء الأسرة المشروع.
التحذير من العقوق: فقد قرن الله بر الوالدين بطاعته، فقال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23].
التشجيع على الزواج: باعتباره الوسيلة الشرعية لتكوين الأسرة، وحماية الأفراد من الانحراف.
سنّ قوانين فقهية لحماية أفراد الأسرة: مثل حق النفقة، الحضانة، الميراث، وعدم جواز الظلم بين الزوجين.
الاهتمام بالتعليم والتربية: كوسيلة لحماية الأسرة فكريًا وسلوكيًا.
. قواعد تأسيس الأسرة وتكوينها
وضع الإسلام قواعد واضحة لتأسيس الأسرة، تبدأ من اختيار الزوج أو الزوجة، وتمر بمرحلة الخطبة والعقد والزواج، وتستمر حتى إنجاب الأبناء وتربيتهم.
ومن أهم هذه القواعد:
حسن اختيار الشريك: فقد قال ﷺ: “تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك”.
مراعاة الكفاءة: وهو ما يعرف بـ”التكافؤ في الزواج” في الدين والأخلاق.
عقد الزواج الشرعي: لا بد من توفر الشروط والأركان، ومنها الإيجاب والقبول، والشهود، والمهر.
النية في الاستقرار: فليس الهدف من الزواج هو مجرد المتعة، بل بناء بيت مسلم صالح.
العدل والرحمة والمودة: وهي مقومات تديم الزواج وتزيد التفاهم.
توزيع الأدوار: حيث جعل الإسلام لكل من الزوجين دورًا محددًا في الأسرة.
. الحقوق والواجبات
نظم الإسلام العلاقة بين أفراد الأسرة من خلال تحديد دقيق للحقوق والواجبات، بما يكفل التوازن والعدالة والاستقرار.
ومن هذه الحقوق:
حقوق الزوج: الطاعة في المعروف، صيانة عرضه وماله، تمكينه من العيش الكريم.
حقوق الزوجة: النفقة، السكن، حسن المعاملة، العدل، والاحترام.
حقوق الأبناء: الرعاية، التربية، التعليم، الحماية، والعدل بينهم.
حقوق الوالدين: البر، الإحسان، الطاعة، الدعاء، والرعاية في الكِبر.
والمقابل لهذه الحقوق هناك واجبات، فعلى كل فرد أن يؤدي ما عليه تجاه غيره، وهذا هو ما يضمن تماسك الأسرة.
فالزوج مثلا مسؤول عن الإنفاق والتوجيه، والزوجة عن الرعاية والإدارة الداخلية، والأبناء عن الطاعة والاحترام.
معالجة المشاكل والعقبات
لم يترك الإسلام الأسرة تواجه مشكلاتها دون توجيه، بل وضع لها منهجًا حكيمًا في معالجة الأزمات والمشكلات.
ومن هذه الأساليب:
الحوار والمشاورة: قال تعالى: ﴿وَأْمُرْهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾، والتشاور بين الزوجين يقلل من الخلافات.
الصبر والإصلاح: فقد وجه القرآن إلى بذل الجهد في الإصلاح قبل التفكير في الفراق، كما في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا﴾ [النساء: 35].
التدرج في الحلول: بدءًا من الوعظ، ثم الهجر، ثم الضرب غير المبرح، كما في الآية الكريمة في سورة النساء.
حق الطلاق كحل أخير: شرع الإسلام الطلاق مع الكراهة له، وجعله آخر الحلول عند استحالة الاستمرار.
تحريم الظلم: سواء من الزوج أو الزوجة، أو من الأبناء تجاه الوالدين.
الوساطة الأسرية: كدور الأهل والعقلاء في التدخل عند الحاجة.