الدعوة المحمدية
عُرف النبي محمد ﷺ قبل بلوغه الأربعين وتكليفه بالرسالة السماوية بأخلاقه الرفيعة وصدقه الكامل في مختلف مجالات حياته.
وكان مقدّرًا له أن يكون سيّد المرسلين وخاتمهم، وقد جاء بالدعوة التي دعا بها كل نبيّ أو رسولٍ قبله، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وقد مرت دعوته -صلّى الله عليه وسلّم- بمراحل مختلفة، حيث بدأ دعوته السرية بعد نزول الوحي عليه، واستمرت هذه المرحلة لثلاث سنوات، قبل أن يأتي أمر الله في قوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}، ليبدأ بالإعلان عن دعوته ونشر ما أنزله الله رحمةً للعالمين.
أحوال المسلمين قبل الهجرة
لعرض قصة هجرة الرسول -عليه السلام-، يجب التطرق للأسباب التي دفعت النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- للهجرة إلى المدينة المنورة.
عاش المسلمون الذين آمنوا بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حياةً قاسيةً في مكة. استغل المشركون كون أول من آمن بالنبي هم العبيد والضعفاء مع قلة من الأقوياء، فكان كفار قريش يعذبونهم بأشد أنواع العذاب.
وقد مرّ الرسول يوماً ورأى آل ياسر يُعذبون، وقال: “صبرًا آل ياسرٍ ، فإنَّ موعدَكم الجنةُ”. وكان بلال الحبشي يُعذب بوضع الصخور على ظهره وبطنه ليترك دين الإسلام.
ولم يسلم رسول الله من أذى المشركين، خاصةً من أبي لهب وزوجته، وفيهما نزلت سورة المسد.
قصة هجرة الرسول عليه السلام
عندما اشتدّ أذى المشركين، أمر الله المسلمين بالهجرة ليقيموا الدين في الأرض التي اختارها الله لهم. فاختار الله لهم مدينة يثرب، التي عُرفت فيما بعد بالمدينة المنورة.
قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: “رَأَيْتُ في المَنامِ أنِّي أُهاجِرُ مِن مَكَّةَ إلى أرْضٍ بها نَخْلٌ، فَذَهَبَ وهَلِي إلى أنَّها اليَمامَةُ أوْ هَجَرُ، فإذا هي المَدِينَةُ يَثْرِبُ”.
بعد أن أذن الله له بالهجرة، قصد النبيّ دار أبي بكر متخفيًا، وأخبره بذلك. استأذن أبو بكر لمرافقته، وأخبر النبيّ عليًا ليتأخر عنهم ليؤدي عنه أمانات الناس ويخدع المشركين بمبيته في فراش النبيّ.
غادر النبيّ برفقة أبي بكر في الخفاء قبل طلوع الفجر، وسلك طريقًا غير متوقع لقريش، قاصدًا جبل ثور.
بعد أن أدرك المشركون خداع عليّ، أسروا للبحث عن النبيّ، ووضعوا جوائز لمن يقبض عليه.
وصل المشركون إلى غار ثور حيث كان النبيّ وأبو بكر. قال أبو بكر: “قُلتُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وأَنَا في الغَارِ: لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا”.
مكثوا في الغار ثلاث ليالٍ قبل أن يواصلوا طريقهم إلى المدينة. بعد رحلة طويلة وصعبة، وصلوا إلى المدينة المنورة بالسلامة.
أبو بكر الصديق والهجرة
لا يجتمع حب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وبغض أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- في قلب مؤمن واحد، فقد كان لأبو بكر مواقف عظيمة في الدعوة الإسلامية وفي قصة الهجرة.
كان مستعدًا للهجرة مع النبيّ من مكة إلى المدينة. روت أسماء بنت أبي بكر: “لمَّا خرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ وخرجَ معهُ أبو بكرٍ احتملَ أبو بكرٍ مالَهُ كلَّهُ معهُ خمسةَ آلافِ درهمٍ أو ستَّةَ آلافِ درهمٍ قالت وانطلقَ بها معهُ..”.
جاء في الحديث أن أبا بكر بكى حبًا وحرصًا على النبيّ في الغار عندما أدركهم المشركون. قال رسول الله مخاطبًا أبا بكر: “ما يُبكيكَ؟ قال: أمَا واللهِ ما على نفسي أبكي ولكنْ أبكي عليك”.
استقبال أهل المدينة للرسول
عند وصول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة، استبشر به أهل المدينة من المهاجرين والأنصار.
ورد في بعض كتب الأثر الحديث عن الأنشودة التي أنشدها أهل المدينة عند قدوم النبيّ: “طلعَ البدرُ علينا من ثَنيَّةِ الوداعِ وجبَ الشُّكرُ علينا ما دعا للَّهِ داعٍ”.
إلا أن هذا الحديث إسناده معضل ولا يصحّ الأخذ به، ولم يُذكر في الصحيحين أو الحسن والمرسل. هذا التنبيه مهم لنقل السيرة النبوية الصحيحة كما وردت عن الرجال الثقات.
اقرا ايضا: اللغة العربية.. لغة الإبداع والتعبير الفصيح