ملحمة إينوما إليش هي واحدة من أقدم الأعمال الأدبية في التاريخ، ويعود تاريخها إلى بابل القديمة (حوالي القرن الـ12 قبل الميلاد).
الكاتب: يُعتقد أن هذه الملحمة كُتبت في بابل على يد الكهنة البابليين لتوثيق نشوء الكون وصراع الآلهة.
. وقائع القصة
في البداية، كان الكون مغطى بالـ مياه البدائية؛ آبسو (الماء العذب) و تيامات (الماء المالح) ومن اتحادهما، خُلقت الآلهة الأولى، مثل لاهمو و لاهمو، ثم الآلهة الأخرى مثل أنشار و كيشار.
مع مرور الزمن، بدأ الصوت والإزعاج يُزعج آبسو، فقرر أن يُقتل الآلهة الأصغر، لكن إيا (إله الحكمة) اكتشف مؤامرة آبسو وقتله، تيامات غاضبة، فقررت الانتقام من الآلهة.
هنا ظهر الإله الشاب مردوخ، الذي كان ابن إيا، وافق مردوخ على قتال تيامات بشرط أن يُمنح السلطة المطلقة على الآلهة إذا انتصر، بعد الموافقة، منحه الآلهة قوة الرياح وأدوات سحرية أخرى.
يواجه مردوخ تيامات في معركة كونية ضخمة، يستخدم الرياح لتفريق جسد تيامات، ويطلق سهمًا على فمها ويشق جسدها إلى نصفين.
من جسدها، خلق السماء من نصفها الأعلى و الأرض من نصفها السفلي.
يُقتل كنغو (أحد أنصار تيامات)، ويتم الاستيلاء على لوح الأقدار.
بعد الانتصار، بدأ مردوخ في تنظيم الكون؛ خلق النجوم، الشمس، و القمر، وقسم الزمن إلى شهور وأيام، ووضع الآلهة في أماكن محددة في السماء والأرض والعالم السفلي.
ثم قرر مردوخ خلق البشر من دم كنغو و الطين، ليكونوا خدمًا للآلهة، الهدف من خلق البشر كان العبادة والخدمة للآلهة، تم إعلان مردوخ إلهًا أعظم في النهاية، ومنحه 50 اسمًا تمثل قدراته، وتم بناء معبد له في بابل يسمى إيساجيلا.
. اكتشاف الملحمة
تم اكتشاف ملحمة إينوما إليش في القرن التاسع عشر في مكتبة آشور بانيبال في مدينة نينوى (العراق حاليًا)، حيث تم العثور على ألواح طينية تحتوي على النصوص المكتوبة بالخط المسماري.
. اللغة التي كُتبت بها وكيف فُسرت
اللغة: كُتبت بالأكدية، وهي إحدى اللغات السامية التي كانت سائدة في الشرق الأوسط القديم، باستخدام الخط المسماري على ألواح من الطين.
كيفية فك الرموز: تم تحليل هذه النصوص من خلال المقارنات اللغوية بين الأكدية واللغات السامية الأخرى مثل السومرية و الآرامية. تم تفسير وفك الرموز المسمارية في العصور الحديثة، من خلال عمل المستشرقين مثل جورج سميث.
. معنى القصة الإجمالي وتحليل محتواها
إينوما إليش هي ملحمة خلق تروي تكوين العالم وصراع الآلهة من أجل الهيمنة على الكون. تبدأ القصة بوجود المياه البدائية (آبسو وتيامات) اللذان يمثلان الفوضى البدائية. بعد ذلك، يظهر مردوخ، الإله البطل الذي يتحد مع الآلهة الأخرى لمحاربة تيامات (إلهة البحر) التي تمثل الفوضى.
الملحمة تروي كيف قُتلت تيامات، وقُسم جسدها ليصبح السماء و الأرض. بعد ذلك، يبدأ مردوخ في خلق الكون، وتشمل القصة خلق الإنسان من دم كيوان (إله آخر)، وذلك كخادم للآلهة.
تتناول الملحمة بشكل عام صراع الآلهة من أجل السيطرة على الكون ودور الآلهة الخلاقة في النظام الكوني.
موضوعات أساسية:
الصراع بين النظام والفوضى: تمثل تيامات الفوضى البدائية، بينما يمثل مردوخ النظام الذي يسعى إلى إرساء النظام الكوني.
الخلق: تشير الملحمة إلى الخلق والتكوين كفعل إلهي يتطلب قوة عظيمة وصراعًا بين القوى المتناقضة.
السلطة الإلهية: تمثل الآلهة في القصة سيطرة تامة على الكون، حيث يُظهر مردوخ قوة البطل الإلهي الذي يجلب النظام في عالم من الفوضى.
الإنسان: يُظهر المقطع الأخير من القصة كيفية خلق الإنسان لخدمة الآلهة، وهي تصور لأساس العلاقة بين الإنسان و الآلهة في الثقافة البابلية القديمة.
. تحليل محتوى الملحمة
مردوخ:
يمثل البطل الإلهي، الذي يقاتل من أجل إرساء النظام في الكون وتوحيد القوى المتصارعة.
تيامات:
تمثل الفوضى البدائية والقوى التي تمنع إقامة النظام، لكنها في النهاية تُهزم.
الآلهة الأخرى:
تتعاون الآلهة الأخرى مع مردوخ لتحقيق النصر ضد تيامات، مما يُظهر أهمية التعاون الإلهي لتحقيق النظام.
الإنسان:
خلقه الآلهة ليكون خادمًا لها، وهي رؤية تعكس العلاقة الخدمية بين البشر والآلهة.
. دلالات القصة وعلاقتها بعصرها
الدلالات الاجتماعية والسياسية:
إينوما إليش تُظهر الهيمنة الإلهية والسيطرة المطلقة للآلهة على الكون، مما يعكس البنية الاجتماعية في بابل القديمة التي كانت تقوم على السلطة المركزية.
مردوخ يمثل الملك أو الحاكم الأعلى، وصراعه مع تيامات يُظهر كيف أن التحديات الداخلية (مثل الثورات أو الفوضى) قد تؤثر على النظام والاستقرار في المجتمع.
الدلالات الفلسفية:
تدور الملحمة حول مفهوم الصراع بين النظام و الفوضى، وهو موضوع فلسفي عميق يتعامل مع الوجود وكيفية تأكيد النظام في الكون. كما تُظهر إعادة بناء العالم بعد التدمير، وهو تصوُّر فلسفي عن التجدد والقدرة على إعادة الحياة.
الدلالات الدينية:
إينوما إليش تُظهر التعددية الدينية التي كانت سائدة في بلاد الرافدين، حيث الآلهة تتخذ أدوارًا رئيسية في كل جوانب الحياة.
يظهر مردوخ كإله عظيم يمتلك قوى الخلق والتدمير، مما يوضح كيف كانت الآلهة تُعبّر عن القوة والهيبة في المعتقدات الدينية القديمة.
. الملحمة مرآة للحضارة البابلية
إينوما إليش تعكس القيم الأساسية في الحضارة البابلية القديمة مثل النظام الإلهي، الخلق، القوة، و الهيمنة. مردوخ يمثل السلطة العليا، وفيه تُجسد القوة والسيطرة، مما يعكس أهمية الملك في المجتمع البابلية القديمة.
التعاون الإلهي في ملحمة إينوما إليش يُظهر الترابط بين الآلهة لتحقيق الهدف المشترك، في حين أن الإنسان خُلق لخدمة الآلهة، مما يعكس التسلسل الهرمي الاجتماعي في المجتمع البابلي.
الاستنتاج:
ملحمة إينوما إليش هي أدب خلق عظيم يروي الصراع بين النظام والفوضى ويقدم تفسيرًا لخلق الكون. مردوخ يمثل البطل الإلهي الذي يجلب النظام من خلال القتال ضد تيامات، في حين أن الإنسان يُخلق كخادم للآلهة.
تعكس إينوما إليش العديد من القيم الثقافية والدينية التي شكلت المجتمع البابلي في العصور القديمة، مع التركيز على السلطة الإلهية و النظام الكوني.