الأسرة في الإسلام ليست فقط رابطة دم أو عقد زواج، بل هي مؤسسة لبناء الإنسان والمجتمع، ومركز لتربية الإيمان والأخلاق والعقل. كل وظيفة من وظائف الأسرة في الإسلام تهدف إلى حفظ المقاصد الخمسة للشريعة، وبناء جيل نافع لنفسه وأهله وأمته، فإذا صلحت الأسرة، صلح المجتمع كله.
الأسرة في الإسلام ميثاق مقدس ومؤسسة ربانية تقوم على أساس الرحمة والمودة، فهي ليست ليست علاقة اجتماعية فقط، بل تسعى إلى تحقيق أهداف سامية تتجاوز المصالح الفردية. وقد أولى الإسلام الأسرة عناية خاصة باعتبارها اللبنة الأساسية في بناء الأمة، وجعل الاسلام لها وظائف متعددة تحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وهي مقاصد الشريعة الكبرى.
في هذا المقال نسلط الضوء على أهم وظائف الأسرة في الإسلام، مع الأدلة من القرآن الكريم والسنّة النبوية.
1. حفظ الدين
تعد الوظيفة الدينية من أولى وظائف الأسرة في الإسلام، حيث تكون الأسرة أول مدرسة إيمانية يتلقى فيها الطفل المبادئ العقائدية والأخلاقية.
مظاهرها:
تعليم التوحيد، الصلاة، الصيام، الحلال والحرام.
تنشئة الأبناء على طاعة الله ورسوله ﷺ.
بناء الضمير الديني والرقابة الذاتية.
الأدلة:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6]
قال رسول الله ﷺ: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته…» (متفق عليه)
2. الوظيفة التربوية
الأسرة في الإسلام مسؤولة عن تربية الأبناء تربية شاملة تشمل الأخلاق، السلوك، الفكر، والعادات وفق المنهج الإسلامي.
مظاهرها:
غرس القيم الإسلامية: الصدق، الأمانة، الحياء.
تعليم آداب الحديث، اللباس، الطعام، احترام الكبير.
تصحيح السلوك والانحراف بالرفق والتوجيه.
الأدلة:
قال النبي ﷺ: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه» (رواه البخاري ومسلم)
وقال ﷺ: «مُرُوا أولادَكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر» (رواه أبو داود)
3. الوظيفة الاجتماعية (حفظ النسب وبناء المجتمع)
الأسرة هي الوسيلة الشرعية لحفظ الأنساب، وبناء العلاقات الاجتماعية المشروعة.
مظاهرها:
تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار الزواج.
تحقيق صلة الرحم وبر الوالدين.
نقل العادات الإسلامية ومفاهيم التعاون والتكافل.
الأدلة:
قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]
وقال ﷺ: «من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه» (رواه البخاري)
4. الوظيفة النفسية والعاطفية
الأسرة في الإسلام مصدر للأمان النفسي والعاطفي، وهي البيئة التي يجد فيها الإنسان السكن والمودة والرحمة.
مظاهرها:
الحنان الأبوي، العطف الأمومي.
مشاركة الأحزان والأفراح.
الاستقرار الزوجي والدعم المتبادل.
الأدلة:
قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ [الروم: 21]
الإسلام يراعي الفطرة الإنسانية ويؤسس بيتًا يتغذى فيه القلب قبل الجسد.
5. الوظيفة الاقتصادية
الأسرة في الإسلام تمثل وحدة اقتصادية يلتزم فيها الزوج بالنفقة الشرعية وتُدار فيها الموارد بالحكمة والاعتدال.
مظاهرها:
توفير المسكن، المأكل، الملبس، التعليم، العلاج.
توزيع الأدوار: الرجل يتحمل النفقة، والمرأة تدير شؤون البيت.
الحث على العمل الحلال وتحريم التبذير والربا.
الأدلة:
قال النبي ﷺ: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت» (رواه مسلم)
وقال ﷺ: «أفضل الكسب كسب الرجل من عمل يده» (رواه أحمد)
6. الوظيفة الوقائية
الأسرة المسلمة تقي أبناءها من الفساد والانحراف العقدي والسلوكي، وتحميهم من المؤثرات الخارجية الضارة.
مظاهرها:
الرقابة والتوجيه في استخدام الإنترنت والأصدقاء.
الرد على الشبهات الفكرية.
ربط الأبناء بالعلماء والقرآن.
الأدلة:
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الطور: 21]
7. الوظيفة الأخلاقية والقيمية
الأسرة في الإسلام تُعلّم أفرادها الحياء، الشجاعة، الصبر، العدل، الرحمة، وكل فضيلة أمر بها الله ورسوله.
مظاهرها:
تصحيح الانحراف الأخلاقي منذ الصغر.
القدوة الحسنة من الوالدين.
دعم القيم الإسلامية في مواجهة الميوعة والانحلال.
الأدلة:
قال النبي ﷺ: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (رواه مالك في الموطأ)