الثورة السورية
الثورة السورية، التي بدأت في عام 2011، هي واحدة من أكثر الصراعات المأساوية والمتشابكة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث.
تتسم الثورة السورية بالتعقيد والدمار الكبير، حيث شهدت البلاد موجات من الاحتجاجات، ثم تحولت إلى حرب أهلية واسعة النطاق، تخللها تدخلات دولية من قوى إقليمية وعالمية.
على الرغم من مرور أكثر من عقد على اندلاع الثورة، ما زال تأثيرها يهيمن على الوضع السياسي، الاجتماعي، والاقتصادي في سوريا.
بداية الثورة السورية
في آذار/مارس 2011، بدأ الاحتجاج الشعبي في سوريا على غرار موجات “الربيع العربي” التي اجتاحت المنطقة في نفس العام.
وكانت البداية من مدينة درعا الجنوبية عندما قام مجموعة من الأطفال بكتابة شعارات مناهضة للنظام على جدران المدرسة، مما أثار غضب السلطات الأمنية التي قامت باعتقالهم وتعذيبهم بشكل وحشي.
هذا الحدث شكل الشرارة الأولى للاحتجاجات في البلاد، حيث خرج أهالي درعا إلى الشوارع مطالبين بالإفراج عن الأطفال ومنددين بالقمع والفساد المستشري في النظام الحاكم.
توسعت الاحتجاجات بسرعة إلى العديد من المدن السورية، مثل دمشق وحلب، مع مطالب بإنهاء الاستبداد السياسي، إطلاق الحريات، وإصلاح النظام.
استجاب النظام السوري بقيادة بشار الأسد بعنف مفرط، حيث استخدم الجيش والأجهزة الأمنية لقمع المتظاهرين السلميين، مما أسفر عن سقوط مئات القتلى والجرحى في الأيام الأولى للاحتجاجات.

تحول الاحتجاجات إلى صراع مسلح
مع تصاعد القمع من قبل النظام السوري، بدأت الاحتجاجات تأخذ طابعًا أكثر عنفًا.
في منتصف عام 2011، بدأ بعض المدنيين الذين تعرضوا للقمع يتسلحون دفاعًا عن أنفسهم، مما أدى إلى تحول الاحتجاجات السلمية إلى صراع مسلح.
تشكلت في هذه المرحلة عدة مجموعات مسلحة معارضة، بما في ذلك الجيش السوري الحر، الذي كان يتكون من منشقين عن الجيش النظامي.
بحلول نهاية عام 2011، كان الصراع قد اتخذ طابعًا شبه حرب أهلية، حيث قامت قوات الأسد بعمليات عسكرية ضخمة ضد المدن التي خرجت عن سيطرته، مثل حمص، حماة، وادلب.
وفي هذه الفترة، كانت التدخلات الدولية ما زالت محدودة، رغم المناشدات من المجتمع الدولي بضرورة وقف العنف.
التدخلات الإقليمية والدولية
بدأت الحرب الأهلية السورية تزداد تعقيدًا بعد تدخل قوى إقليمية ودولية. ففي عام 2012، بدأت تركيا والسعودية وقطر في دعم المعارضة السورية بشكل أكبر، بما في ذلك تقديم الأسلحة والمساعدات اللوجستية.
في المقابل، تدخّلت إيران بشكل مباشر لدعم النظام السوري، حيث قدمت مساعدات مالية وعسكرية بما في ذلك إرسال مقاتلين من الحرس الثوري الإيراني.
وفي وقت لاحق من نفس العام، تدخلت روسيا بشكل مباشر في دعم نظام الأسد، حيث زودته بالأسلحة والمعدات العسكرية.
في المقابل، دعمت الولايات المتحدة ودول أوروبية المعارضة السورية سياسيًا، دون تدخل عسكري مباشر.
بدأت القوات الروسية في 30 سبتمبر 2015 حملة جوية ضخمة لدعم الأسد في استعادة الأراضي التي كانت قد فقدتها قواته لصالح المعارضة.
ساهم هذا التدخل بشكل حاسم في تغيير موازين القوى على الأرض، حيث تمكنت قوات النظام من استعادة العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة المسلحة.
4. التصعيد العسكري واستعادة المناطق:
بحلول عام 2016، كانت مناطق عديدة من سوريا قد تم تدميرها بسبب القصف العنيف من قبل قوات الأسد المدعومة من روسيا، وكذلك التنظيمات المسلحة الأخرى مثل تنظيم “داعش” وجبهة النصرة.
في هذا السياق، كانت مدينة حلب بمثابة نقطة تحوّل في الحرب، حيث شهدت معركة طويلة في 2016 انتهت بسيطرة قوات النظام على المدينة بعد قصف وحصار دام لأشهر.
على الرغم من هذه الانتصارات العسكرية للنظام، إلا أن المعارضة السورية استمرت في مقاومة النظام في مناطق أخرى، وخاصة في محافظة إدلب، التي كانت تسيطر عليها مجموعات معارضة وجبهة النصرة، وكذلك في مناطق أخرى مثل ريف دمشق.

اتفاقات الهدنة ومحاولات السلام
على الرغم من الانتصارات العسكرية التي حققها النظام السوري، فإن محاولات الوصول إلى حل سياسي بقيت قائمة.
في 2017، تم الاتفاق على وقف إطلاق النار في مناطق عدة من سوريا، ولكن هذه الاتفاقات لم تصمد طويلاً، حيث كان النظام وحلفاؤه يعاودون الهجمات على المناطق المعارضة.
في عام 2018، دعت الأمم المتحدة إلى إجراء محادثات سلام بين الحكومة والمعارضة السورية في جنيف، ولكن هذه المحادثات لم تؤدِ إلى نتائج ملموسة.
في نفس الوقت، استمرت القوى الدولية في التدخل بشكل مباشر، حيث قاد التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة عملية عسكرية ضد التنظيم في مناطق شرق سوريا.
دخول الثوار إلى دمشق واندلاع المرحلة الأخيرة من الثورة
تحرير سوريا
في عام 2024، ومع استمرار تدهور الوضع الأمني في سوريا، وتضافر الجهود الدولية لدعم المعارضة المسلحة، أتى اليوم الذي طال انتظاره، حيث تمكنت قوات المعارضة من دخول العاصمة دمشق بعد حصار طويل.
في 9 ديسمبر 2024، تم الإعلان عن سقوط نظام بشار الأسد بشكل رسمي بعد أن تمكنت القوى الثورية من السيطرة على القصر الجمهوري في دمشق.
وفي هذه اللحظة التاريخية، أعلن الثوار عن تشكيل حكومة انتقالية بقيادة شخصيات معارضة تنتمي إلى مختلف التوجهات السياسية والعسكرية، بما في ذلك الإسلاميين والعلمانيين.
تم تأكيد خبر سقوط النظام عبر العديد من الوكالات الإخبارية العالمية، مما أشعل الاحتفالات في شوارع العاصمة ومختلف المدن السورية.

التداعيات والآفاق المستقبلية
سقوط نظام بشار الأسد بعد 13 عامًا من القتال يعتبر نقطة تحول كبيرة في تاريخ الثورة السورية.
ومع ذلك، فإن البلاد لا تزال تواجه العديد من التحديات المستقبلية، بما في ذلك إعادة الإعمار، وتحديد هوية الدولة السورية الجديدة، وتوحيد الفصائل المعارضة التي كانت قد انقسمت في مرحلة ما. ي
ظل الوضع الإنساني في سوريا مأساويًا، حيث يعاني ملايين السوريين من النزوح والدمار.
تأمل القوى المعارضة أن تسهم هذه اللحظة التاريخية في التوصل إلى حل شامل ودائم يعيد الاستقرار إلى سوريا ويحقق العدالة للضحايا الذين سقطوا طوال السنوات الماضية.
ومع ذلك، يبقى المستقبل مجهولاً، حيث أن سوريا بحاجة إلى عملية سياسية شاملة تقود إلى مصالحة وطنية حقيقية، وتحديد شكل الحكم المستقبلي في ظل التعددية العرقية والدينية في البلاد.
في الختام
ثورة سوريا كانت نقطة فاصلة في تاريخ العالم العربي، حيث حملت الكثير من الآمال والتضحيات، ولا تزال تداعياتها مستمرة.
سقوط بشار الأسد يُعتبر إنجازًا كبيرًا للثوار، لكنه ليس النهاية بل بداية لمرحلة جديدة من البناء السياسي والاجتماعي الذي سيكون مليئًا بالتحديات.
اقرا ايضا: سجن صيدنايا.. مركز التعذيب والإبادة في سوريا