أفغانستان، أرض الجبال الوعرة والتاريخ القديم، لطالما كانت مسرحًا لصراعات كبيرة أثرت على ملامحها الجغرافية والسياسية.
ومنذ عقود، تعد حركة طالبان واحدة من أهم الفاعلين في مشهد الصراع الأفغاني. هذه الجماعة، التي تأسست في أوائل التسعينيات من القرن العشرين، كانت في البداية حركة دينية تهدف إلى إعادة فرض النظام الإسلامي وفق تفسيرها للشريعة الإسلامية.
ومع ذلك، تحولت طالبان إلى عنصر رئيسي في الحرب الدائرة في أفغانستان، ومثلت رمزا للمعاناة المستمرة التي مر بها الشعب الأفغاني.
النشأة والتأسيس
نشأت حركة طالبان في خضم الفوضى التي عاشتها أفغانستان بعد انسحاب القوات السوفيتية في عام 1989 وسقوط الحكومة المدعومة من موسكو.
كانت تلك الفترة مليئة بالصراعات الداخلية بين الفصائل المجاهدية التي قاتلت السوفييت، والتي أدت إلى اندلاع حرب أهلية مريرة.
وسط هذا الصراع، ظهرت طالبان كحركة إصلاحية تسعى إلى إنهاء الفساد واستعادة النظام. معظم مؤسسي الحركة كانوا من طلاب المدارس الدينية (“طالبان” تعني الطلاب بلغة البشتو) وتلقوا دعمًا من باكستان، التي رأت في طالبان وسيلة لضمان استقرار أفغانستان المجاورة وفق رؤيتها.
سيطرة طالبان على الحكم
بحلول عام 1996، تمكنت طالبان من السيطرة على العاصمة كابول وإقامة إمارة أفغانستان الإسلامية.
حكمت طالبان البلاد وفق تفسير صارم للشريعة الإسلامية، ما أدى إلى فرض قوانين اجتماعية صارمة تتعلق بلباس المرأة، وحظر الأنشطة الترفيهية والتعليمية التي لا تتماشى مع رؤيتهم الإسلامية.
على الرغم من أن طالبان نجحت في فرض درجة من النظام والاستقرار النسبيين بعد سنوات من الحرب الأهلية، إلا أن حكمها قوبل بانتقادات شديدة على الصعيد الدولي بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والتعامل القاسي مع المرأة والمعارضين السياسيين.
مرحلة ما بعد 11 سبتمبر 2001
حدث التحول الكبير في مصير طالبان بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة. تلقت طالبان ضربات قوية نتيجة لرفضها تسليم زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، الذي اتُهم بالتخطيط لتلك الهجمات.
أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها حملة عسكرية واسعة النطاق في أفغانستان في أكتوبر 2001، مما أدى إلى إسقاط حكومة طالبان بسرعة.
تم استبدالها بحكومة مدعومة من الغرب، والتي سعت إلى إعادة بناء البلاد على أسس الديمقراطية والحقوق المدنية.
ومع ذلك، لم تختف طالبان تمامًا. بل لجأت إلى العمل السري وشن حرب عصابات طويلة ضد القوات الأجنبية والحكومة الأفغانية.
صعود طالبان مجددًا
طوال العقدين التاليين، استطاعت طالبان أن تعيد تنظيم صفوفها وتكسب التأييد في المناطق الريفية حيث فشلت الحكومة الأفغانية في توفير الأمن والخدمات الأساسية.
كانت الحكومات الأفغانية المتعاقبة تعاني من الفساد وضعف السيطرة على المناطق النائية، مما أتاح لطالبان فرصة العودة ببطء إلى الساحة السياسية والعسكرية.
في عام 2020، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع طالبان في الدوحة، قطر، بعد محادثات استمرت لمدة عامين.
بموجب هذا الاتفاق، وافقت واشنطن على سحب قواتها من أفغانستان مقابل ضمانات من طالبان بعدم استخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات على الغرب.
ومع الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية في أغسطس 2021، استعادت طالبان السيطرة على البلاد دون مقاومة تُذكر من الحكومة الأفغانية.
طالبان في السلطة مجددًا: بين الحرب والسلام
استعادة طالبان للسلطة في 2021 أثارت تساؤلات حول مستقبل أفغانستان. قدمت طالبان نفسها في البداية كحركة مختلفة عما كانت عليه في التسعينيات، حيث وعدت بتشكيل حكومة شاملة واحترام حقوق الإنسان بما في ذلك حقوق المرأة، إلى حد ما.
لكن الواقع أظهر أن طالبان لا تزال تحتفظ بالكثير من السياسات الصارمة، خاصة فيما يتعلق بدور المرأة في المجتمع والتعليم والحريات الشخصية.
على الرغم من نهاية الحرب العلنية، فإن السلام في أفغانستان لا يزال بعيد المنال. تواجه طالبان تحديات كبيرة في حكم بلد متعدد الأعراق والمذاهب، ولا تزال بعض الفصائل المسلحة، مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، تشكل تهديدًا للاستقرار.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني الاقتصاد الأفغاني من أزمة خانقة، في ظل العقوبات الدولية ونقص المساعدات الأجنبية.
التحديات المستقبلية
في ظل حكم طالبان، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن أفغانستان من تحقيق السلام والاستقرار؟ تواجه طالبان تحديات عدة، من بينها الحاجة إلى كسب اعتراف دولي بشرعيتها، وإعادة بناء الاقتصاد، وتحقيق الأمن في وجه التنظيمات المسلحة المنافسة.
كما أن هناك تساؤلات حول مدى استعداد طالبان لتقديم تنازلات بشأن حقوق الإنسان، خصوصًا ما يتعلق بحقوق المرأة، والتي تعتبرها العديد من الدول والمجتمعات شرطًا أساسيًا للتعاون الدولي.
اقرا ايضا: حركة طالبان.. من النشأة إلى السيطرة على أفغانستان