الحرب السوفيتية
كانت الحرب السوفيتية في أفغانستان واحدة من أبرز الصراعات في أواخر القرن العشرين، واستمرت من عام 1979 حتى عام 1989.
هذه الحرب لم تكن مجرد مواجهة بين الاتحاد السوفيتي وحركة المقاومة الأفغانية، بل كانت جزءًا من صراع أوسع يربط بين الحرب الباردة والمصالح الاستراتيجية الكبرى للقوتين العظميين: الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
الأسباب خلف التدخل السوفيتي
تعود جذور التدخل السوفيتي في أفغانستان إلى عدة عوامل معقدة. منذ أوائل السبعينيات، كانت أفغانستان تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي بعد انقلاب 1973 الذي أسقط الملك ظاهر شاه وأعلن الجمهورية.
ومع تزايد تأثير الحزب الشيوعي الأفغاني، بدأ الصراع على السلطة يأخذ منحىً خطيرًا.
في أبريل 1978، قاد الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني انقلابًا عسكريًا أزاح الرئيس محمد داود خان.
ومع تولي الشيوعيين الحكم، بدأت سياسات الإصلاح الزراعي والتغيير الاجتماعي التي أدت إلى سخط شعبي واسع، خصوصًا بين الأوساط الريفية والدينية.
هذه الاضطرابات شجعت على ظهور حركات مقاومة مسلحة، حيث تشكلت مجموعات المجاهدين المعارضة للحكومة المدعومة من السوفيت.
في ديسمبر 1979، تدخل الاتحاد السوفيتي بشكل مباشر في أفغانستان لدعم الحكومة الشيوعية الضعيفة التي كانت تواجه تهديدات متزايدة من قِبل المعارضة المسلحة.
يرى البعض أن السوفيت كانوا يخشون فقدان نفوذهم في أفغانستان، وهو ما قد يؤدي إلى انتشار الحركات الإسلامية المعارضة في المنطقة، مما قد يهدد مصالحهم في آسيا الوسطى.
الأطراف المتورطة في الصراع
كان الاتحاد السوفيتي الداعم الرئيسي للحكومة الأفغانية، حيث أرسل آلاف الجنود والمعدات العسكرية لمواجهة المقاومة المتزايدة.
على الجانب الآخر، تشكلت حركة المجاهدين، وهي تحالف من الفصائل الإسلامية، كانت تحظى بدعم كبير من الولايات المتحدة، باكستان، السعودية ودول أخرى.
الولايات المتحدة، التي رأت في الصراع فرصة لإضعاف الاتحاد السوفيتي في سياق الحرب الباردة، قدمت دعمًا ماليًا وعسكريًا كبيرًا للمجاهدين، حيث تم توفير أسلحة متقدمة مثل صواريخ “ستينغر” التي أثرت بشكل مباشر على سير المعارك الجوية ضد القوات السوفيتية.
تأثير الحرب على أفغانستان
الحرب السوفيتية في أفغانستان كانت كارثية بكل المقاييس للشعب الأفغاني. أكثر من مليون أفغاني قتلوا، وملايين آخرين شُردوا كلاجئين إلى دول مجاورة مثل باكستان وإيران.
كما تضررت البنية التحتية بشكل كبير، حيث دُمّرت القرى والمدن بفعل الغارات الجوية والمعارك الأرضية.
بالإضافة إلى ذلك، خلقت الحرب حالة من الفوضى داخل أفغانستان، حيث تفككت السلطة المركزية وزادت الانقسامات القبلية والطائفية.
وعلى الرغم من انسحاب القوات السوفيتية في 1989، إلا أن البلاد ظلت في حالة من الصراع الداخلي لسنوات طويلة، حيث تحول الصراع إلى حرب أهلية بين فصائل المجاهدين والميليشيات المحلية.
تداعيات الحرب على الاتحاد السوفيتي
كانت الحرب في أفغانستان بمثابة نزيف اقتصادي وعسكري للاتحاد السوفيتي. تكبد الجيش السوفيتي خسائر بشرية كبيرة، ومع استمرار الصراع لسنوات دون تحقيق نتائج ملموسة، تزايدت الضغوط على القيادة السوفيتية.
تُعتبر هذه الحرب أحد العوامل التي ساهمت في إضعاف الاتحاد السوفيتي داخليًا، حيث أدت إلى تزايد الاستياء الشعبي وتفاقم المشاكل الاقتصادية، ما عجّل بانهياره في أوائل التسعينيات.
الدور الدولي وتأثير الحرب على الحرب الباردة
الحرب السوفيتية في أفغانستان لم تكن مجرد صراع داخلي، بل كانت جزءًا من الحرب الباردة بين القوتين العظميين.
حيث استغلت الولايات المتحدة هذا الصراع لدعم المعارضة السوفيتية في أفغانستان كجزء من استراتيجيتها لإضعاف الاتحاد السوفيتي في مناطق نفوذه.
التحالف الذي نشأ بين الولايات المتحدة وباكستان خلال هذه الحرب كان له تداعيات طويلة الأمد، حيث استخدمت باكستان هذه الفرصة لتعزيز نفوذها في أفغانستان ولتقديم الدعم للمجاهدين.
ومع انسحاب السوفيت، وجد المجاهدون أنفسهم في وضع يتيح لهم السيطرة على البلاد، وهو ما فتح الباب لظهور جماعات متطرفة مثل حركة طالبان.
في الختام
تشكل الحرب السوفيتية في أفغانستان حدثًا مفصليًا في تاريخ المنطقة والعالم. لم تكن مجرد صراع على النفوذ المحلي، بل كانت معركة حاسمة في سياق الحرب الباردة.
كانت نتائجها كارثية على أفغانستان نفسها، حيث تسببت في تدمير واسع وخلق بيئة مناسبة لظهور التطرف.
بالنسبة للاتحاد السوفيتي، كانت الحرب علامة على ضعف القيادة المركزية وتفاقم المشاكل الداخلية التي سرّعت من انهياره.
اقرا ايضا: فلسطين.. الأرض المحتلة وصراع الهوية