قصة سيدنا زكريا
قصة سيدنا زكريا عليه السلام واحدة من القصص القرآنية الرائعة التي تجسد الإيمان والصبر والتوكل على الله تعالى.
زكريا عليه السلام كان نبيًا من أنبياء بني إسرائيل، وذكر اسمه في عدة مواضع في القرآن الكريم.
قصته تحكي عن إيمانه الراسخ بالله رغم التحديات التي واجهها، خاصة عندما دعا الله أن يرزقه ذرية صالحة وهو في سن الشيخوخة.
زكريا عليه السلام ونسبه
يعود نسب سيدنا زكريا إلى بني إسرائيل، ويقال إنه كان من نسل النبي داوود عليه السلام.
وكان زكريا من كبار العلماء والمتعبدين في بني إسرائيل، وكان يعيش في وقت كان الناس فيه قد انصرفوا عن الدين وانشغلوا بالدنيا.
كان هو وزوجته إليصابات (أو يُذكر في بعض الروايات باسم آخر) بلا أبناء، وكانت زوجته عقيمًا لا تلد. ومع ذلك، لم يفقد زكريا عليه السلام الأمل في رحمة الله.
خدمته في بيت المقدس
كان زكريا عليه السلام خادمًا في بيت المقدس، حيث كان يرعى ويهتم بالمسجد ويقدم العناية والرعاية للناس هناك.
وكان من ضمن مهامه أيضًا الإشراف على مريم عليها السلام، ابنة عمران، والتي نشأت في بيت المقدس بعدما نذرتها أمها لخدمة المسجد.
كانت مريم تحت رعاية زكريا، وكان كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقًا وفيرًا من غير أن يُعرف من أين جاء.
وعندما سألها زكريا عن مصدر هذا الرزق، أجابت: {هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37].
كان هذا المشهد مؤثرًا جدًا في نفس زكريا، وجعله يزداد إيمانًا بأن الله قادر على أن يمنحه هو الآخر ذرية حتى وإن كانت الظروف صعبة.
دعاء زكريا عليه السلام
على الرغم من أن زكريا كان في سن متقدمة وزوجته كانت عاقرًا، إلا أن رؤيته لكرم الله في رزق مريم جعل قلبه يفيض بالأمل والتوكل على الله.
فرفع يديه إلى السماء ودعا الله بإخلاص أن يرزقه بولد صالح يكون له سندًا ومعينًا في حمل رسالة الدين.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38].
كان دعاؤه يحمل الإيمان العميق بأن الله هو القادر على كل شيء، وأنه إذا أراد شيئًا فإنما يقول له “كن فيكون”.
وكان زكريا عليه السلام يدرك أن دعاءه مستجاب بإذن الله لأنه دعا الله في وقت كان قلبه مليئًا بالإيمان واليقين.
البشارة بميلاد يحيى
استجاب الله دعاء زكريا عليه السلام وأرسل له ملائكة تحمل له بشرى بميلاد ولد صالح. يقول الله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39].
كانت هذه البشرى معجزة عظيمة، حيث أن زكريا كان شيخًا كبيرًا وزوجته عاقرًا، لكن الله أراد أن يريه قدرة الله وأنه لا شيء مستحيل إذا أراد الله.
تعجب زكريا من هذه البشرى وسأل الملائكة: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} [مريم: 8]. فجاء الرد من الله: {قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران: 40].
طلب زكريا للآية
رغم إيمانه الكامل بقدرة الله، طلب زكريا من ربه آية تكون له تأكيدًا على تحقق هذه البشرى. فأوحى الله إليه: {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: 41].
كانت هذه الآية علامة لزكريا على أن وعد الله سيتحقق وأنه خلال هذه الأيام الثلاثة لن يستطيع الكلام إلا بالإشارة، وكان عليه أن يستمر في الذكر والتسبيح لله.
مولد يحيى عليه السلام
تحقق وعد الله وولدت زوجة زكريا غلامًا سمي يحيى. كان يحيى عليه السلام من الأنبياء الذين اصطفاهم الله منذ ولادتهم، وكان معروفًا بالتقوى والورع. يقول الله تعالى: {يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12].
كان يحيى عليه السلام نبيًا منذ صغره، وكان معروفًا بالتقوى والورع والالتزام بالدين. كما كان حريصًا على نشر الدعوة إلى الله والالتزام بتعاليم الدين، وظل طوال حياته يدعو الناس إلى التوبة والعودة إلى الله.
العبر المستفادة من قصة زكريا
قصة سيدنا زكريا عليه السلام مليئة بالعبر والدروس التي يمكننا الاستفادة منها في حياتنا اليومية. من أهم هذه العبر:
- التوكل على الله والثقة في قدرته: زكريا عليه السلام لم يفقد الأمل في رحمة الله رغم كبر سنه وعقم زوجته. كانت ثقته بالله قوية وإيمانه بأن الله قادر على تحقيق المستحيل.
- الصبر والتحمل: على الرغم من الصعوبات التي واجهها، ظل زكريا صابرًا ومؤمنًا بأن الله سيستجيب دعاءه في الوقت المناسب.
- الإخلاص في الدعاء: دعاء زكريا كان دعاءً مخلصًا نابعًا من قلب مليء بالإيمان والتوكل على الله. دعانا الله في القرآن إلى أن ندعوه بإخلاص وبيقين بأن الله يسمع ويستجيب.
- التعليم والنقل الإيماني: كان زكريا نبيًا ومعلمًا لابنه يحيى عليه السلام، فقام بتعليمه التوراة والدين منذ صغره. وهذا يوضح أهمية التربية الدينية للأبناء منذ الصغر.
في الختام
قصة زكريا عليه السلام تمثل نموذجًا رائعًا للإيمان والتوكل على الله في أوقات الصعوبة والتحديات. إنها تذكرنا بأن الله قادر على كل شيء، وأنه لا يوجد شيء مستحيل إذا وضعنا ثقتنا في الله وتوكلنا عليه.
اقرا ايضا: قصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والهجرة