مصحف عثمان.. أول مصحف موحّد في الإسلام
يُعتبر القرآن الكريم الكتاب المقدّس لدى المسلمين، وهو النص الذي يجمع التعاليم والأحكام التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ولقد نُقل القرآن في البداية شفويًا، وحُفظ في صدور الصحابة، وكان يُكتب على مواد متفرقة كالجلود والعظام.
لكن مع مرور الوقت وزيادة انتشار الإسلام، ظهر تحدي كبير في الحفاظ على النص القرآني بشكل موحد ودقيق.
وهنا يأتي دور الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه في توحيد المصحف، وهو ما يعتبر خطوة تاريخية في تاريخ الإسلام.
الوضع قبل توحيد المصحف
في بداية الإسلام، كان القرآن يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، وكان بعضهم يدوّن الآيات على المواد المتوفرة آنذاك.
إلا أن الغالبية من المسلمين كانوا يعتمدون على الحفظ، وكان القرآن يُقرأ بلهجات مختلفة حسب قبائل العرب، وهذا كان أمرًا مقبولًا في البداية.
ومع توسع رقعة الدولة الإسلامية واندماج الشعوب غير العربية في الإسلام، بدأت تظهر الفروقات في قراءات القرآن، وهو ما أثار قلقًا بين الصحابة.
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بدأت تتراكم المسؤوليات على الخلفاء الراشدين، حيث قام الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه بجمع القرآن في مصحف واحد بعد معركة اليمامة التي قُتل فيها العديد من حفظة القرآن. ومع ذلك، استمرت القراءات المتعددة للقرآن بحسب اللهجات المختلفة.
دور الخليفة عثمان بن عفان في توحيد المصحف
عندما تولى عثمان بن عفان الخلافة (644-656م)، كان الإسلام قد انتشر في مناطق جديدة مثل بلاد الشام والعراق ومصر.
في هذه المناطق الجديدة، بدأ المسلمون من غير العرب يواجهون صعوبة في التمييز بين اللهجات والقراءات المختلفة.
وظهرت الحاجة إلى وضع نسخة موحدة للقرآن الكريم تحفظ المسلمين من الوقوع في النزاعات حول قراءة القرآن.
في تلك الفترة، وردت أخبار إلى الخليفة عثمان بأن المسلمين في بعض الأمصار يتجادلون حول القراءات المختلفة للقرآن، مما قد يؤدي إلى انقسامات داخل المجتمع الإسلامي.
دفع هذا الموقف عثمان رضي الله عنه إلى اتخاذ قرار حاسم لتوحيد الأمة الإسلامية تحت قراءة واحدة للقرآن.
جمع المصحف في عهد عثمان
اتخذ عثمان بن عفان خطوة تاريخية تتمثل في تشكيل لجنة من الصحابة الذين كانوا على دراية كاملة بالقرآن الكريم، على رأسهم زيد بن ثابت الذي كان أحد كتبة الوحي.
أوكلت إلى هذه اللجنة مهمة نسخ المصحف بناءً على النص الذي تم جمعه في عهد أبي بكر الصديق.
أمر عثمان بإعداد عدة نسخ من المصحف وإرسالها إلى مختلف الأمصار الإسلامية، وكان هذا المصحف مكتوبًا بلغة قريش، التي نزل بها القرآن الكريم. كما أمر بحرق النسخ الأخرى من المصاحف التي كانت تحمل قراءات متعددة لتجنب الفتنة.
تأثير توحيد المصحف على الإسلام
كانت خطوة عثمان بن عفان لتوحيد المصحف نقطة تحول كبرى في التاريخ الإسلامي.
فقد حافظت هذه الخطوة على النص القرآني من التحريف أو التغيير، وضمنت توحيد الأمة الإسلامية حول قراءة واحدة للقرآن الكريم.
هذا الإجراء منع أي محاولات لتحريف النص القرآني وحافظ على نقاءه.
كما أن هذا التوحيد سهّل على المسلمين تعلم القرآن وحفظه بنفس الطريقة، سواء كانوا في مكة أو المدينة أو في أي مكان آخر في الدولة الإسلامية الواسعة.
وكان من الممكن أن يؤدي استمرار تعدد القراءات والاختلافات في النصوص إلى انقسامات داخل الأمة الإسلامية.
الجانب الرمزي لمصحف عثمان
المصحف الذي نسخ في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ليس مجرد نص مكتوب، بل هو رمز لوحدة الأمة الإسلامية.
فبفضل هذا المصحف، أصبحت الأمة الإسلامية تقرأ القرآن بنفس الطريقة في كل زمان ومكان، مما يعزز الترابط بين المسلمين ويجمعهم حول كتاب واحد هو مصدر التشريع الأول في الإسلام.
لقد ساهمت هذه الخطوة التاريخية في تقوية الهوية الإسلامية وتثبيت أركانها. وقد أضحت مصاحف عثمان، المعروفة أيضًا بـ”المصاحف العثمانية”، جزءًا مهمًا من التراث الإسلامي، حيث لا تزال بعض هذه المصاحف موجودة حتى اليوم في متاحف مختلفة حول العالم.
في الختام
توحيد المصحف في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه كان خطوة محورية في حفظ القرآن الكريم من أي اختلافات أو تحريفات محتملة.
لقد كان هذا التوحيد ضروريًا للحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية، وضمن للأجيال القادمة الوصول إلى النص القرآني بنفس الشكل الذي نزل به على النبي صلى الله عليه وسلم. وبذلك، يظل مصحف عثمان رمزًا خالدًا للأصالة والوحدة في الإسلام، ودليلاً على الحكمة البعيدة المدى التي قاد بها عثمان بن عفان الأمة في فترة حرجة من تاريخها.
اقرا ايضا: أسباب نزول سورة الكافرون