السلطان محمد الفاتح
السلطان محمد الفاتح، السابع بين سلاطين الدولة العثمانية، وُلد عام 1429. عُرف لدى المسلمين بلقب “الفاتح”، وأطلق عليه الأوروبيون لقب “السيد العظيم”.
تمكن من فتح مدينة القسطنطينية، منهياً بذلك الدولة البيزنطية. حكم لمدة تقارب الثلاثين عامًا، حيث عزز فيها السيادة العثمانية في أوروبا، وأضعف التحالفات الصليبية، وسيطر على آسيا الصغرى وبلاد اليونان والقرم ومعظم شبه جزيرة البلقان، ووصلت فتوحاته إلى إيطاليا.
قام بتعزيز القوات العسكرية البرية والبحرية، وأعاد تنظيم الجيش وتدريبه. اهتم بإصلاح النظام الداخلي والإداري، وعمل على تطوير القضاء والتعليم، ودعم الازدهار العمراني، وشجع التجارة والصناعة، وأرسى قواعد الأمن والعدالة. توفي السلطان محمد الفاتح عام 1481.
مولد ونشأة السلطان محمد الفاتح
ولد محمد الثاني، المعروف بأبي الخيرات، بن السلطان مراد الثاني في مدينة أدرنة التركية، التي كانت عاصمة الخلافة العثمانية آنذاك.
تختلف المصادر حول تاريخ مولده؛ إذ يعتقد بعض المؤرخين أنه ولد في 20 أبريل 1429، بينما يشير آخرون إلى تاريخ 30 مارس 1432.
كان محمد الثاني الابن الرابع للسلطان مراد، وهناك خلاف حول هوية والدته. بعض المؤرخين يعتقدون أنها كانت أميرة نصرانية، بينما يؤكد المؤرخ أحمد آق كوندز أنها كانت مسلمة تدعى هما خاتون بنت عبد الله، ويشير إلى أن ضريحها ما زال موجودًا في الجهة الشرقية من جامع مرادية تحت اسم “ضريح خاتونية”.
نشأ السلطان محمد الثاني في القصور الملكية بأدرنة بجوار والده وتحت رعايته، حيث اهتم والده بتنشئته جسمياً وعقلياً ودينياً ليكون مؤهلاً لتحمل مسؤوليات الحكم.
تدرب محمد على ركوب الخيل، الرمي بالقوس، والضرب بالسيف. كما حرص والده على تأهيله علمياً وعملياً، ليكون وريثًا لصفات الجَلَد والشجاعة وشدة المراس والصبر على المكاره وعدم اليأس التي اتسم بها والده.
تأثرت شخصية محمد الثاني بالحقبة التي عاش فيها، حيث ساد التوتر والقسوة والعنف بين المسلمين والمسيحيين، مما انعكس على أسلوبه في الحكم والحروب التي خاضها، حيث أظهر فيها شدة وبأسًا نتيجة للصراعات الدينية المحتدمة آنذاك.
زوجات وأولاد السلطان محمد الفاتح
تزوج السلطان محمد الفاتح عدة مرات، وفي ما يلي أسماء زوجاته:
- غلبهار خاتون بنت عبد الله، وكانت جارية اعتنقت الإسلام.
- ستي مكرمة خاتون ابنة الأمير سليمان بك بن محمد حاكم إمارة ذي القدر.
- جيجك خاتون والدة جم بن محمد الفاتح.
- كل شاه خاتون انضمت إلى الحرملك عندما كان محمد الفاتح حاكما على مدينة مانيسا.
- حنة خاتون ابنة إمبراطور طرابزون داود كومنين.
- هيلانة خاتون ابنة حاكم المورة دمتريوس.
- خديجة خاتون ابنة زاغنوس محمد باشا.
وكان له من الأولاد:
- جوهر خان خاتون ابنة غلبهار خاتون، وتزوجت أغورلو محمد بن السلطان حسن.
- بايزيد الثاني ابن غلبهار خاتون، وقد تولى الحكم بعد وفاة أبيه وكان ثامن سلاطين الإمبراطورية العثمانية.
- مصطفى ابن كل شاه خاتون، وكان حاكما على مدينة قونية، وتوفي في حياة والده عام 1474.
- جم ابن جيجك خاتون، وكان حاكما على القرمان، ونازع شقيقه بايزيد على العرش.
التكوين العلمي للسلطان محمد الفاتح
حرص السلطان مراد الثاني على توفير أفضل الأساتذة لتعليم ابنه محمد العلوم الأساسية.
تعلم محمد القرآن الكريم وحفظه، ودرس الحديث الشريف والفقه في سن صغيرة.
كان أول معلم له هو الملا أحمد بن إسماعيل الكوراني، وهو عالم فقيه ماهر في النحو والمعاني والبيان، واستطاع أن يشجع الفاتح على حب العلم.
من بين الشيوخ والفقهاء الذين تتلمذ محمد الثاني على أيديهم كان الشيخ ابن التمجيد، الذي كان شاعراً يجيد النظم بالعربية والفارسية.
كما تعلم على يد الشيخ خير الدين، والشيخ سراج الدين الحلبي، والمعلم زاده مصلح الدين، وملا إلياس، وملا عبد القادر.
كان الشيخ آق شمس الدين من بين العلماء الذين أشرفوا على تعليم محمد عندما تولى إمارة مانيسا (الواقعة في غرب تركيا).
أثّر آق شمس الدين تأثيراً بالغاً على محمد، خصوصاً في تشجيعه على فتح القسطنطينية، حتى اعتُبر الفاتح المعنوي لهذه المدينة.
بالإضافة إلى العلوم الدينية واللغوية، أراد السلطان أن يتعلم ابنه العلوم الدنيوية، فأحضر له معلمين في الرياضيات والجغرافيا والفلك.
كما اهتم محمد الثاني بدراسة التاريخ وقراءة سير العظماء والأبطال، واستوعب تاريخ الإسلام، وكان على دراية بقضايا فلسفة الدين.
منذ صغره، كان يراسل العلماء والشعراء في فارس والهند وتركستان ومصر وغيرها من البلاد الإسلامية.
وقد ألمّ بمجموعة من اللغات إلى جانب اللغة التركية، فكان يعرف العربية والفارسية والإغريقية والسلافية ويفهم الإيطالية. كان واسع الاطلاع في آداب هذه اللغات ويستمتع بها.
كان مغرما بالفنون، فأتقن الرسم والعزف على الآلات الموسيقية وحفظ الشعر ونظمه.
كان يكتب أشعاره تحت اسم “عوني”، على طريقة الإيرانيين في اختيار اسم شعري، وله ديوان شعر محفوظ في 22 ورقة.
كان منفتحا على الثقافة الغربية والدين المسيحي. نمّى اطلاعه على الثقافة الغربية عندما كان أميرا على قصر مانيسا، حيث كان في بلاطه “شيرياكو دان كونا” (Ciriaco d’Ancona) عالم إنساني إيطالي، وكذلك إيطاليون آخرون، وكانوا يقرؤون له التاريخ الروماني والغربي.
التجربة السياسية والعسكرية للسلطان محمد الفاتح
دخل محمد الفاتح معترك الحكم والسياسة في سن مبكرة، إذ حرص والده على تدريبه وإعداده لتحمل مسؤوليات الحكم وقيادة الجيوش.
كلفه والده بمهام قيادية ورافقه في بعض المعارك لتعليم قيادة الجيش وفنون القتال عمليًا. اكتسب محمد عن والده مهارات إدارة الدولة والبراعة في الشؤون الحربية، ووضع الخطط، وحصار المدن، وقيادة العمليات العسكرية.
نُصّب محمد الفاتح سلطانًا على الدولة العثمانية مرتين، الأولى كانت في شبابه حين تنازل له والده عن العرش.
بعد حروب وصراعات طويلة خاضها السلطان مراد الثاني، أبرم معاهدة صلح مع المجر لمدة 10 سنوات في يوليو/تموز 1444 ميلادي.
بعد توقيع الهدنة، فُجع السلطان مراد بوفاة ابنه الأكبر الأمير علاء، مما دفعه إلى ترك الحكم لابنه محمد، الذي كان يبلغ من العمر 14 عامًا.
لصغر سنه، أحاط السلطان مراد ابنه محمد ببعض أصحاب الرأي والنظر من رجال دولته، ثم انتقل إلى مانيسا في آسيا الصغرى ليعيش بقية حياته في عزلة وهدوء.
لكن لم تمض بضعة أشهر حتى انتهكت قوات المجر الهدنة وهاجمت بلاد البلغار، وبدأت الاستعدادات لحملة صليبية. كان تشجيعهم نابعًا من اعتقادهم بأن العرش العثماني تُرك لصبي عديم الخبرة ولا يشكل خطرًا عليهم.
عندما بلغ السلطان مراد الثاني خبر حركات الجيش المجري، خرج بجيشه لمواجهتهم ووجدهم يحاصرون مدينة فارنا الواقعة على البحر الأسود.
دارت معركة بين الجيشين، انتهت بانتصار ساحق للعثمانيين، حيث قُتل ملك المجر وتفرق جنده. في اليوم التالي، هاجم العثمانيون معسكر المجريين واحتلوه. بعد هذا الانتصار، عاد السلطان مراد إلى عزلته مرة أخرى.
ولكن لم يمر وقت طويل حتى اندلعت حركة شغب داخل البلاد، حيث تمردت عساكر الإنكشارية التي ازدرت السلطان الشاب، وقاموا بنهب مدينة أدرنة عاصمة الدولة.
عندها، توجه السلطان مراد الثاني إلى أدرنة وقام بإخماد التمرد وإخضاعهم في أوائل عام 1445 ميلادي، ثم أرسل ابنه محمد إلى مانيسا كحاكم عليها.
قضت السنوات الخمس التي أمضاها في مانيسا بأنضجه، فعند توليه الحكم أعاد تنظيم إدارات الدولة المختلفة وعمل على تطوير إدارة الأقاليم.
فأبقى على بعض الولاة في أقاليمهم، بينما عزل آخرين ممن أظهروا التقصير أو الإهمال أو عدم الولاء.
اهتم محمد الفاتح كثيرا بالأمور المالية، فعمد إلى تحديد موارد الدولة وطرق الصرف لمنع الإسراف والبذخ.
وأجرى تغييرات كبيرة في التعريفات الجمركية وزيادة الضريبة وتغيير العملات، وفرض قانون مسح الأراضي، مما أدى إلى زيادة كبيرة في عائدات الدولة.
من جانب آخر، طوّر البلاط السلطاني ورفده بالخبرات الإدارية والعسكرية المتينة، وركز على تطوير كتائب الجيش وإعادة تنظيمها، وأعد سجلات خاصة بالجند، وزاد من مرتباتهم وزودهم بأحدث الأسلحة المتوفرة.
حرص السلطان العثماني الفاتح على تعزيز القوة البحرية، حتى تمكن الأسطول العثماني من السيطرة على البحرين الأسود والأبيض.
كما أنشأ دورًا للصناعة العسكرية لتلبية احتياجات الجيش من الملابس والسروج والدروع ومصانع الذخيرة والأسلحة، وأقام القلاع والحصون في المواقع ذات الأهمية العسكرية.
كان الفاتح من أشد سلاطين الدولة العثمانية حزمًا وعزمًا، وخلال فترة حكمه التي استمرت نحو ثلاثين عامًا، وسّع فتوحاته حتى سيطر على آسيا الصغرى وبلاد اليونان ومعظم شبه جزيرة البلقان.
أصبح البحر الأسود بحيرة عثمانية بعد استيلائه على القرم، وسيطر على الجزر الأيونية الواقعة بين إيطاليا واليونان، وأخضع مدينة تارنتو وهدد إيطاليا والبابوية وأوروبا بأسرها.
كان من أعظم إنجازاته القضاء على الدولة البيزنطية وفتح مدينة القسطنطينية.
لذلك، اعتبر السلطان الفاتح محورًا مهمًا في السياسة الدولية، وشملت علاقاته السياسية والحربية أوروبا وآسيا وأفريقيا. يعد موطّد السيادة العثمانية في أوروبا، ومبدد الأحلاف الصليبية.
اشتهر عند الأوروبيين بلقب “السيد العظيم”، وكان مجرد سماع اسمه يثير الرعب في قلوب أعدائه، حتى أن البابوية في روما أقامت احتفالات ومهرجانات صاخبة ابتهاجًا بموته.
فتح القسطنطينية
بمجرد اعتلاء السلطان محمد الثاني العرش، بدأ في متابعة مسيرة والده وأجداده في الفتوحات.
كانت مدينة القسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، محور اهتمامه الرئيسي، نظراً لأهميتها الإستراتيجية كمركز للتحركات الصليبية ضد العالم الإسلامي.
تحتل القسطنطينية مكانة خاصة لدى المسلمين، حيث تنافس الخلفاء والقادة عبر العصور المتعاقبة على فتحها لنيل شرف البشارة في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “لتفتحن القسطنطينية على يد رجل، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش”.
بدأ السلطان محمد الثاني بتحصين مضيق البوسفور من خلال بناء قلعة “روملي” على الجانب الأوروبي من المضيق، مقابل القلعة التي بناها السلطان بايزيد على الجانب الآسيوي، لمنع الإمدادات العسكرية القادمة من مملكة طرابزون وغيرها.
كما زاد السلطان عدد أفراد الجيش وأمر بتدريبهم على فنون القتال المختلفة، واعتنى بتصنيع مدافع ضخمة، أبرزها “المدفع السلطاني” المعروف أيضًا بمدفع الدردنيل.
حرص أيضًا على تقوية الأسطول الحربي والقوة البحرية، مما جعله مستعداً بشكل أفضل لفتح القسطنطينية.
إضافةً إلى ذلك، أقام محمد الفاتح معاهدات مع الإمارات المجاورة مثل إمارة غلطة والمجد والبندقية، حيث انضمت قوات من تلك المدن وغيرها للمشاركة في الدفاع عن القسطنطينية. ومع ذلك، لم تصمد بعض هذه المعاهدات مع بدء الهجوم الفعلي.
كانت القسطنطينية تعتبر من الناحية العسكرية من أفضل مدن العالم تحصيناً، حيث كانت محاطة بالأسوار والقلاع والحصون، بالإضافة إلى التحصينات الطبيعية، مما جعل اختراقها أمراً صعباً.
ولهذا، استعصت المدينة على عشرات المحاولات العسكرية، منها 11 محاولة إسلامية سابقة.
بدأ محمد الفاتح حصار القسطنطينية في الخامس من أبريل/نيسان 1453، حيث أحكمت القوات البرية الطوق حول مختلف الجهات ونصبت المدافع أمام الأسوار، وانتشرت السفن العثمانية في المياه المحيطة بالمدينة.
ومع ذلك، لم تستطع السفن العثمانية الوصول إلى “القرن الذهبي” بسبب وجود السلسلة الضخمة التي منعت أي سفينة من دخوله، بالإضافة إلى الأسطول البيزنطي الراسي في الميناء.
ومع استمرار الحصار دون جدوى، فكر السلطان في جرّ السفن من المضيق عبر البر، بحيث تُسحب على أخشاب مدهونة بالزيت مسافة 3 أميال ثم تُنزل في القرن الذهبي.
وتمكن العثمانيون من سحب أكثر من 70 سفينة وإنزالها دون أن يلاحظ العدو، وكانت أجزاء من السور في تلك الجهة مهدمة وغير منيعة مما سهل اختراقها.
كما أمر السلطان بحفر أنفاق لاختراق المدينة من أسفلها، ولكن هذه الأنفاق أدت إلى موت الكثيرين اختناقاً واحتراقاً بسبب النيران والنفط المحترق والمواد الملتهبة التي صبّها عليهم البيزنطيون.
ووقع بعض العثمانيين في أسر البيزنطيين الذين قطعوا رؤوسهم وألقوا بها إلى معسكر العثمانيين.
بعد حصار مرير ومواجهات عنيفة استمرت لأكثر من 50 يوماً، استطاع الجيش العثماني اقتحام الأسوار وفتح المدينة في 29 مايو/أيار 1453، وقُتل الإمبراطور قسطنطين في المعركة.
وبهذا الفتح العظيم، حصل السلطان محمد الفاتح على لقب “الفاتح”، وسميت المدينة بعد ذلك “إسلامبول” أي مدينة الإسلام وأصبحت عاصمة الدولة العثمانية.
مثل سقوط القسطنطينية نقطة تحول في تاريخ المنطقة والعالم بأسره، حيث انتهت بفتحها حقبة تاريخية بارزة بسقوط الإمبراطورية البيزنطية التي استمرت نحو 11 قرناً.
وزال بذلك منافس شديد للإمبراطورية الرومانية الغربية، وأدى هذا الحدث إلى شعور الغرب بتهديد كبير لأوروبا وأمنها.
وبهذا الفتح، امتلك العثمانيون موقعاً استراتيجياً جديداً وأصبحوا حلقة وصل مهمة بين الشرق والغرب.
فتح شبه الجزيرة اليونانية
بعد أن حصّن القسطنطينية ورمّم أسوارها وأسّس قواعد الحكم والإدارة فيها، بدأ السلطان محمد الفاتح بتجهيز جيوشه لاستكمال حملاته العسكرية، حيث كان عليه إزالة آثار وبقايا الدولة البيزنطية في منطقة البلقان وشبه الجزيرة اليونانية بشكل عام.
إمارة أثينا كانت من أبرز الإمارات اليونانية وأكثرها فوضى، فأرسل السلطان محمد الفاتح عمر بن طرخان الذي استولى عليها وأعاد لها الأمن والنظام.
كما تم فتح بلاد مورة في جنوب اليونان عام 1458، وكذلك مدينة كورنثة والمناطق المجاورة لها، وجزيرتا تاسوس وبروس وغيرهما من جزر البحر الأبيض المتوسط.
بحلول عام 1460، كانت شبه جزيرة اليونان كلها تحت سيطرة العثمانيين.
الفتوحات في البلقان
كانت منطقة البلقان تضم العديد من الإمارات والدوقيات التي كانت تحت سيطرة أطراف متنازعة، مما أدى إلى انتشار الفوضى والحروب والثورات والنزاعات الداخلية بين الإسبان والإيطاليين والفرنسيين، بالإضافة إلى الهجرات وحلول جنسيات جديدة مثل الألبانيين والأفلافيين الذين استقروا في معظم أجزاء البلقان.
بعد فتح القسطنطينية، أبرم السلطان محمد الفاتح صلحًا مقابل الجزية مع أمير الصرب عام 1454، لكنه قرر لاحقًا إنهاء المعاهدة وإخضاع بلاد الصرب بالكامل للدولة العثمانية.
في عام 1455، قاد السلطان حملة عسكرية عبر جنوب الصرب إلى شمالها، ولم يلق مقاومة حتى وصل إلى مدينة بلغراد، التي حاصرها دون أن يتمكن من فتحها. عاد السلطان بعد سنوات وأرسل الصدر الأعظم محمود باشا الذي تمكن من فتح بلغراد بين عامي 1458 و1460.
هاجم السلطان بلاد الأفلاق (رومانيا) حيث كان أميرها، الملقب بـ “دراكولا”، قد ارتكب فظائع ضد الأهالي وتعدى على التجار العثمانيين، ونقض عهده مع السلطان وامتنع عن دفع الجزية وتحالف مع المجر ضد العثمانيين.
في عام 1462، فتح السلطان محمد الثاني مدينة بوخارست عاصمة الأفلاق، بعد هزيمة الأمير وتفريق جيوشه، وأصبحت كامل بلاد الأفلاق تابعة للدولة العثمانية.
بعد سقوط الصرب، لم تستطع البوسنة الصمود طويلاً، حيث نشبت فيها حروب أهلية وفوضى. عندما رفض ملكها دفع الجزية للدولة العثمانية، قرر السلطان محمد الفاتح الهجوم عليها في عام 1463.
قاد السلطان جيشه ونجح في فتح البوسنة بسهولة، وسقطت الهرسك بعدها مباشرة.
أما الألبان، فقد انقسموا بعد سقوط الصرب إلى قبائل متنازعة، ثم انضموا تحت لواء الألباني جورج كاستريونس الذي أسلم وتسمى باسم إسكندر بك، وخدم في الجيش العثماني قبل أن يرتد ويهرب.
قاد إسكندر بك حرباً شرسة ضد العثمانيين، وكان قائداً صلباً استطاع الصمود لفترة طويلة. بعد وفاة إسكندر بك عام 1468، تمكن السلطان محمد الفاتح من إخضاع كامل ألبانيا وضمها للدولة العثمانية.
الفتوحات في آسيا الصغرى
بعد فتح اليونان، استمر السلطان في القضاء على بقايا الإغريق في آسيا الصغرى. طلب من إسفنديار، أمير مدينة سينوب، تسليم بلده، فاستجاب له الأمير.
ثم توجه السلطان بنفسه إلى مدينة طرابزون، التي دخلها دون مقاومة تذكر عام 1461.
بسقوط طرابزون، انتهت الدولة الإغريقية تماماً في آسيا الصغرى، وأصبحت الأناضول بالكامل تحت السيطرة العثمانية.
في عام 1471، عمل السلطان على ضم إمارة قرمان بدلاً من الاكتفاء بدفع الجزية، وبهذا انتهى بقايا النظام السلجوقي القديم.
فتح جمهورية جنوة
ساءت العلاقات بين العثمانيين وجمهورية جنوة بعد فتح القسطنطينية بسبب طلب السلطان منهم دفع الجزية.
أرسل السلطان حملة إلى شبه جزيرة القرم التابعة للجمهورية، حيث استسلمت مدينة كافا الغنية والقوية بعد حصار لم يدم سوى بضعة أيام.
تلا ذلك سقوط المناطق التابعة لجمهورية جنوة، وأصبحت شواطئ القرم تحت السيطرة العثمانية، مما أعطى العثمانيين نفوذاً تاماً على بحر مرمرة وبحر الأرخبيل والبحر الأسود.
فتح جمهورية البندقية
في عام 1477، أغار السلطان على جمهورية البندقية ووصل إلى إقليم الفريول. خاف البنادقة وأبرموا معه صلحاً، لكنه طلب منهم التخلي عن مدينة أشقودرة.
عندما رفضوا، حاصرها السلطان لمدة 6 أسابيع متتالية، لكنه لم يقدر عليها فرفع الحصار وفتح ما حولها من المناطق والقلاع التابعة للبندقية.
اضطر البنادقة في النهاية لإبرام صلح جديد والتنازل عن أشقودرة مقابل بعض الامتيازات التجارية، وتمت المعاهدة في يناير 1479.
في عام 1480، اصطدم العثمانيون بقوات البندقية على سواحل بلاد الإغريق وجزر بحر الأرخبيل، مما دفع السلطان للاستيلاء على الجزر الأيونية. كما حاول فتح جزيرة رودس، لكنه لم يستطع دخولها بعد حصار دام 3 أشهر.
في الوقت ذاته، وجه السلطان حملة نحو تارنتو، مفتاح جنوب إيطاليا. استسلمت المدينة في أغسطس 1480، وتمكن السلطان من وضع قدمه في إيطاليا وضم ميناء صالحة. لكنه لم يستطع إتمام توغله في إيطاليا بسبب وفاته.
الإنجازات المدنية والحضارية
لم تقتصر كفاءة السلطان على الشؤون الحربية فقط، بل شملت أيضاً الأعمال المدنية والحضارية. اهتم بإصلاح النظام الداخلي وتطوير مناحي الحياة المختلفة، وإرساء قواعد العدل والأمن في دولته متعددة الأعراق والأجناس واللغات والأديان.
وضع السلطان محمد الثاني الدستور العثماني المعروف بـ”قانون نامه”، الذي كان مكوناً من 3 أبواب ويتعلق بمناصب الموظفين، وبعض التقاليد والتشريفات السلطانية، ويحدد العقوبات والغرامات.
عنى السلطان بالقضاء واستحدث منصب شيخ الإسلام، وأصبح الكفاءة وحدها أساساً في اختيار رجاله ومعاونيه وولاته. حرص على إصلاح النظام المالي ووضع قواعد صارمة في جباية أموال الدولة، وقضى على تلاعب الجباة.
- التعليم
بذل السلطان جهوداً كبيرة في نشر العلم وإنشاء المدارس والمعاهد، وجعل التعليم في مدارس الدولة مجانياً.
اهتم بتطوير المناهج، التي تضمنت نظام التخصص، ونظم المدارس ورتبها على درجات ومراحل. خصص للطلبة منح مالية شهرية.
قرب إليه العلماء والشعراء والفلاسفة والفنانين، وشجعهم على العمل والإنتاج، ووسع لهم في العطايا والمنح والهدايا.
شجع حركة الترجمة والتأليف لنشر المعارف، وأمر بنقل كثير من الآثار المكتوبة باليونانية واللاتينية والعربية والفارسية إلى اللغة التركية.
- العمران والتجارة
اعتنى السلطان بالجانب العمراني، فأكثر من إنشاء المباني والطرق والجسور، وخص مدينة القسطنطينية بأعظم اهتمامه، فبنى فيها المساجد والمعاهد العلمية والقصور والمستشفيات والخانات والحمامات العامة والأسواق والحدائق، وأدخل المياه عبر القناطر. شجع على عمران المدينة حتى أصبحت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه أيام الحكم البيزنطي.
دعم التجارة والصناعة وعمل على إنعاشهما بجميع الوسائل، وطوّر صناعات عديدة كالقطن والحرير والألبسة. كان للطرق والجسور التي أنشأها دور مهم في تسهيل حركة التجارة في أنحاء الدولة.
وفاة السلطان محمد الفاتح
توفي السلطان محمد الفاتح يوم الخميس الثالث من مايو 1481 جرّاء مرض النقرس الذي عانى منه طويلاً، وكان على رأس جيشه في الجانب الآسيوي من إسطنبول في طريقه لأحد الفتوحات التي لم يعلن عنها. دفن في إسطنبول بجوار المسجد الذي بناه ويحمل اسمه.
مسلسل محمد الفاتح
مسلسل “محمد الفاتح” هو مسلسل درامي تاريخي تركي يروي قصة السلطان العثماني محمد الثاني المعروف بمحمد الفاتح، الذي قاد الجيش العثماني لغزو القسطنطينية (إسطنبول حالياً) في عام 1453.
يتناول المسلسل أحداثًا من حياته الشخصية والسياسية والعسكرية، ويستعرض الإنجازات الكبيرة التي حققها في فترة حكمه، خاصة فتح القسطنطينية التي كانت تعتبر نقطة تحول في التاريخ الإسلامي والعالمي.
المسلسل من بطولة كنان إميرزالي أوغلو في دور محمد الفاتح، ويتضمن طاقم عمل مميز من الممثلين الأتراك. يعرض المسلسل بأسلوب درامي مشوق، ويهتم بالتفاصيل التاريخية الدقيقة وبالحياة اليومية والسياسية في العصر العثماني.
اقرا ايضا: السلطان محمد الثاني