شهد عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه (13هـ – 23هـ) تطورًا اقتصاديًا وتنظيميًا غير مسبوق، وكان من أبرز توجهاته الاقتصادية العمل على استصلاح الأراضي الزراعية وإقامة مشاريع ري استراتيجية لتأمين الاكتفاء الغذائي وتثبيت الاستقرار في المناطق المفتوحة.
وقد أدرك عمر منذ بداية فتوحات العراق ومصر أهمية الزراعة والري كمصدر حيوي للدخل ولتعزيز الأمن الغذائي.
وقد شكل مشروع إحياء الأراضي وحفر القنوات نواة حقيقية لنهضة اقتصادية زراعية مستدامة.
أثبتت تلك المشاريع أن الدولة الإسلامية، بقيادتها الراشدة، لم تكن تعتمد على الغنائم والضرائب فقط، بل سعت إلى بناء اقتصاد إنتاجي قائم على الزراعة والبنية التحتية.
ما زالت هذه التجربة تمثل نموذجًا يُحتذى به في التنمية المستدامة القائمة على الشراكة بين الدولة والمجتمع، والاعتماد على الفكر التخطيطي المتقدم في إدارة الموارد، وربط الاقتصاد بالعدالة والمصلحة العامة.
. مشروع إحياء الأراضي الزراعية
– الفكرة والمشروعية
– استندت حكومة الخليفة الراشد في مشروعية هذا المشروع للقاعدة الإسلامية: “من أحيا أرضًا ميتة فهي له”، والتي وردت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فشجع المسلمين على إحياء الأراضي البور، خاصة في الأمصار المفتوحة حديثًا كالعراق ومصر.
– الخطوات التنفيذية للمشروع
– منع توزيع الأراضي المفتوحة كغنائم؛ واعتبرت وقفًا عامًا للمسلمين، وأبقاها في يد أصحابها الأصليين أو من يعمّرها.
– فرض نظام الخراج مقابل استخدام الأرض؛ حيث يتم دفع خراج سنوي لبيت المال.
– تشجيع الإحياء الزراعي؛ منح عمر مهلة زمنية لمن يريد أن يحيي الأرض دون دفع خراج خلال تلك الفترة، لتشجيع الزراعة.
الاستعانة بأهل الخبرة؛ استعان الدولة بالفرس والمصريين ذوي الخبرة في الزراعة والري، لإدارة الأراضي وتنظيم زراعتها.
. نتائج المشروع وثمراته
– توسعت الرقعة الزراعية بشكل كبير في العراق ومصر.
– ارتفعت إيرادات بيت المال من الخراج.
– استقرار السكان، وتحول الفاتحون إلى منتجين ومستقرين.
– تشكلت طبقة من الفلاحين والمستأجرين المحليين، ما عزز دورة الاقتصاد المحلي.
. الأثر الاقتصادي والسياسي
– أمنت هذه الأراضي موارد دائمة ومستقرة للخلافة.
– عززت من التماسك الاجتماعي والاستقرار الداخلي.
– رسّخت مفهوم العدالة في توزيع الموارد.
– أثبتت أن الدولة لم تعتمد على الغنائم بل أسست لاقتصاد زراعي إنتاجي.
. مشروع حفر القنوات وشق الترع والأنهار
– الدوافع:
أدرك عمر أن السيطرة على موارد المياه وتنظيمها تمثل العمود الفقري للزراعة والتجارة، خاصة في المناطق التي تعتمد على الأنهار مثل العراق ومصر.
– أبرز المشاريع المنفذة:
– قناة أمير المؤمنين (النيل – البحر الأحمر): أمر عمر عام 18 هـ بشق قناة بين نهر النيل والبحر الأحمر لنقل الحبوب من مصر إلى الحجاز بعد المجاعة.
– ساهمت القناة في تخفيف المجاعة في المدينة، وكانت مشروعًا استراتيجيًا للنقل الغذائي.
– شق الأنهار في العراق:
أنشئت قنوات وترع في البصرة والكوفة مثل:
نهر البصرة.
نهر المعقل.
نهر الأبلّة.
ساعدت هذه القنوات على تحويل الأراضي الصحراوية إلى زراعية.
-إصلاح شبكات الري القديمة:
– رمّمت الدولة شبكات الري الفارسية التي كانت قائمة في السواد.
-وظّفت أهل الخبرة المحليين في إدارتها، مع مراقبة بيت المال.
. الأثر الاقتصادي والاجتماعي:
– وفّرت مشاريع القنوات المياه للري المنتظم.
– دعمت التوسع الزراعي في الأراضي البور.
– ساعدت على استقرار المجتمعات الريفية.
– نشّطت التجارة عبر الأنهار والموانئ النهرية.
– مهدت لظهور مراكز تجارية وزراعية جديدة في البصرة والكوفة.
. المردود المالي
– زادت الخراجات بشكل منتظم بسبب وفرة المياه والإنتاج.
– ساهمت هذه الموارد في تمويل الجيوش، وإنشاء الدواوين، ودفع العطاءات.
. كيف ساهمت هذه المشاريع في تقوية الدولة وكيف تطورت؟
– تقوية الدولة:
وفرت المشاريع الزراعية والري الأمن الغذائي الذي أدى إلى استقرار المدن.
– مكنت الدولة من تثبيت الفتوحات من خلال توفير سبل العيش للسكان.
– قللت الاعتماد على الغنائم كدخل رئيسي، مما ضمن استدامة مالية.
– واصل الخلفاء من بعد عمر، مثل عثمان ومعاوية، تطوير القنوات.
– في العصر الأموي، أُنشئت قنوات جديدة، ونُظمت شبكات ري أوسع في العراق وبلاد الشام.
– في العصر العباسي، ظهرت ديوان المياه وديوان الزراعة كأجهزة متخصصة.
– في الدولة الفاطمية والمملوكية، تم ترميم السدود وحفر الترع الكبرى في مصر.
مصادر المقال:
أبو يوسف، كتاب الخراج.
البلاذري، فتوح البلدان.
الطبري، تاريخ الأمم والملوك.
الماوردي، الأحكام السلطانية.
ابن خلدون، المقدمة.
لمصادر:
فتوح البلدان للبلاذري.
تاريخ الطبري.
الخراج لأبي يوسف.
ابن خلدون، المقدمة.
الماوردي، الأحكام السلطانية.