قصة سيدنا يوسف
قصة سيدنا يوسف عليه السلام هي واحدة من أعظم القصص التي وردت في القرآن الكريم، حيث تتجلى فيها العديد من العبر والدروس المتعلقة بالصبر، والإيمان، والعفو، والرحمة.
وهي القصة الوحيدة التي جاءت في القرآن كاملة ومفصلة، وتروي أحداثاً مثيرة وملهمة مليئة بالعواطف والصعوبات التي واجهها النبي يوسف. وردت هذه القصة في سورة يوسف، وهي السورة الثانية عشرة في القرآن الكريم.
الرؤيا والبشارة
بدأت قصة سيدنا يوسف عليه السلام عندما رأى في منامه رؤيا غريبة. قال يوسف لوالده يعقوب عليه السلام: “يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ” (يوسف: 4).
فهم يعقوب عليه السلام هذه الرؤيا على أنها بشرى بأن ابنه سيكون له شأن عظيم في المستقبل، وحذره من أن يقصها على إخوته لأنهم قد يحسدونه.
غيرة الإخوة والمكيدة
أُصيب إخوة يوسف بالغيرة والحسد تجاهه، حيث كانوا يشعرون بأن أباهم يعقوب يفضل يوسف وأخيه الأصغر عليهما.
وبدافع من الغيرة، اتفقوا على التخلص من يوسف وأقنعوا والدهم بأن يسمح لهم بأخذه معهم للعب.
ثم قرروا إلقاءه في بئر مهجور في الصحراء. بعد ذلك، عادوا إلى والدهم وهم يبكون، وأخبروه أن الذئب قد أكله، وقدموا قميصه ملطخاً بالدم كدليل على ما قالوا.
لكن يعقوب عليه السلام شعر بأن هناك خدعة في ما يقولونه، واستعان بالله وصبر على الابتلاء.
النجاة من البئر والانتقال إلى مصر
أثناء وجود يوسف في البئر، مرت قافلة تجارية بالمنطقة وأرسلوا أحدهم لسحب الماء، لكنهم فوجئوا بأنهم وجدوا صبياً.
قرر هؤلاء التجار أخذ يوسف وبيعه في سوق العبيد في مصر. هناك، اشتراه رجل مهم يُعرف بالعزيز، وهو أحد وزراء مصر، وأحضر يوسف إلى بيته وأوصى زوجته أن تعتني به.
محنة بيت العزيز وامتحان الصبر
كبر يوسف عليه السلام وأصبح شاباً وسيماً، مما جعل زوجة العزيز تُفتتن به.
حاولت إغوائه، لكنه رفض بحزم مخافة الله، مما أدى إلى وقوع مشكلة كبيرة في بيت العزيز.
وعندما واجهت الفضيحة، اتهمت يوسف بمحاولة الاعتداء عليها، مما أدى إلى سجنه رغم وضوح براءته.
وهكذا وجد يوسف نفسه في السجن، لكنه لم يتخل عن إيمانه وصبره واحتسب ذلك عند الله.
يوسف في السجن وتفسير الرؤى
في السجن، التقى يوسف باثنين من السجناء كانا بحاجة لتفسير رؤياهما.
بفضل الحكمة والعلم الذي وهبه الله ليوسف، استطاع تفسير رؤيا كل منهما بدقة، وأصبح معروفًا بأنه مفسر للأحلام.
بعد مدة، جاء الوقت ليظهر علم يوسف بشكل أكبر. فقد رأى ملك مصر رؤيا لم يستطع أحد من حاشيته تفسيرها، وهنا تذكر أحد السجناء الذي أُطلق سراحه سابقاً يوسف ومهارته في تفسير الأحلام.
تفسير رؤيا الملك والخروج من السجن
ذهب السجين السابق وأخبر الملك عن يوسف، فطلب الملك إحضاره لتفسير رؤياه. قال يوسف إن الرؤيا تتعلق بسبع سنوات من الخير والرخاء تليها سبع سنوات من الجفاف والقحط.
بفضل هذا التفسير الدقيق، خرج يوسف من السجن، وتم تكريمه وتعيينه وزيراً للخزينة، وأوكلت إليه مسؤولية إدارة الموارد خلال سنوات الجفاف المتوقعة.
لقاء الإخوة والعفو
بعد سنوات الجفاف التي أصابت مصر والمنطقة المحيطة، جاء إخوة يوسف إلى مصر لطلب المساعدة بسبب المجاعة. ولم يعرفوا أن المسؤول عن توزيع الحبوب هو أخوهم يوسف.
تعامل معهم يوسف بلطف وأخفاهم هويته، لكنه أراد التأكد من توبتهم وإحساسهم بالندم، لذلك أعد خطة لكي يعيد إليهم أخاه الأصغر، بنيامين.
عندما عادت القافلة بأخيه الأصغر، كشف يوسف عن هويته، وكان اللقاء مليئاً بالدموع والعواطف.
طلب منهم العودة وإحضار والدهم يعقوب، وأخبرهم بأنه قد سامحهم على كل ما فعلوه.
وهنا يتجلى خلق العفو والرحمة في شخصية يوسف عليه السلام، حيث لم يرد الإساءة بمثلها، بل اختار أن يسامح ويعفو.
لم الشمل ورفعة يوسف
عاد إخوة يوسف إلى والدهم يعقوب، وأخبروه بما حدث. فرح يعقوب كثيراً، وسارع مع عائلته إلى مصر ليلتقي بيوسف.
وعندما دخل يعقوب عليه السلام وأبناؤه على يوسف، خروا له ساجدين، وهنا تحققت الرؤيا التي رآها يوسف في صغره، إذ رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً يسجدون له، وكان ذلك إشارة إلى تحقيق الرفعة والشأن العظيم.
الدروس والعبر من قصة يوسف عليه السلام
قصة يوسف عليه السلام مليئة بالدروس والعبر التي يمكن أن نتعلمها ونستفيد منها في حياتنا اليومية:
- الصبر على الشدائد: كان يوسف نموذجًا للصبر في جميع مراحل حياته، سواء عند رميه في البئر، أو خلال فترة السجن، أو في تعاملاته مع إخوته.
- الثقة في الله: كان يوسف عليه السلام دائمًا مؤمنًا بوعد الله وحكمته، وهذا الإيمان هو الذي منحه القوة لمواجهة الصعوبات.
- العفو عند المقدرة: رغم كل ما فعله إخوته به، اختار يوسف العفو عنهم بدلاً من الانتقام، مما يظهر فضيلة التسامح والعفو.
- الإخلاص والأمانة: عندما عمل يوسف وزيرًا لخزينة مصر، أدار المسؤولية بإخلاص وأمانة، مما جعله قادرًا على إنقاذ الناس من المجاعة.
- الاعتراف بالخطأ والتوبة: أظهرت القصة أيضًا أهمية التوبة والاعتراف بالخطأ، فقد اعترف إخوة يوسف بخطئهم، وطلبوا السماح، وتابوا إلى الله.
- الإحسان والبر بالوالدين: كان يوسف بارًا بوالده يعقوب، حيث سعى لإحضاره إلى مصر ليعيش معه بعد سنوات الفراق الطويلة.
- الاختبار والابتلاء: تبين القصة أن الابتلاء هو جزء من حياة الإنسان، وأن الثبات والصبر على الابتلاء يمكن أن يؤديان إلى الفرج.
في الختام
قصة يوسف عليه السلام هي واحدة من أعظم القصص التي يمكن أن نستلهم منها الكثير من القيم الأخلاقية والإنسانية.
من خلال هذه القصة، نتعلم أن الحياة مليئة بالتحديات، وأن الصبر والإيمان بالله هما المفتاح لتجاوزها.
كما تُظهر القصة أن العفو والرحمة هما أعظم الفضائل التي يمكن أن يمتلكها الإنسان.
إنها قصة تعزز الإيمان وتذكرنا بأن الفرج يأتي دائمًا بعد الضيق، وأن الله لا يضيع أجر المحسنين.
اقرا ايضا: قصة الطفل والباب الخشبي