عبد الباسط عبد الصمد
عبد الباسط عبد الصمد، أحد أبرز قراء القرآن الكريم في العالم الإسلامي، هو اسم يتردد في آذان الملايين ممن يعشقون صوت القرآن بأدائه العذب والمتميز.
وُلد الشيخ عبد الباسط في قرية أرمنت بمحافظة قنا في مصر في الأول من يناير عام 1927، وترعرع في عائلة مشهود لها بالصلاح والتقوى.
يعدّ الشيخ من الشخصيات التي استطاعت أن تترك بصمة واضحة في قلوب المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، لما حمله صوته من جمال ورهبة، وحنكة فريدة في فن التجويد والترتيل.
النشأة والبدايات
وُلد الشيخ عبد الباسط في عائلة تنحدر من بيئة زراعية بسيطة، ولكن ما ميّز هذه الأسرة هو الاهتمام الكبير بالدين والعلم.
والده كان حافظًا للقرآن الكريم، ومنذ الصغر، نشأ عبد الباسط على حب كتاب الله، حيث التحق بكتّاب القرية وهو في سن السادسة وبدأ في حفظ القرآن.
بفضل موهبته الفطرية وإصراره الكبير، تمكّن من إكمال حفظ القرآن الكريم وهو في سن العاشرة.
تميزت نشأته بروح التديّن العميق والالتزام بقيم الإسلام وتعاليمه، مما ساعده على تطوير موهبته في قراءة القرآن، خاصة بعد أن بدأ بتعلم قواعد التجويد على يد الشيخ محمد سليم، أحد أعظم علماء القراءات في مصر في ذلك الوقت.
رحلة الشهرة والعالمية
انطلق عبد الباسط عبد الصمد في مسيرته القرآنية بسرعة لافتة. في سن الرابعة عشرة، بدأ يتلو في الاحتفالات الدينية المحلية، وشيئًا فشيئًا بدأ صيته يذيع في أرجاء مصر.
في عام 1951، عندما كان في أوائل العشرينات من عمره، تقدّم لاختبار لجنة الإذاعة المصرية، ونجح بامتياز.
من هنا، بدأت رحلته مع إذاعة القرآن الكريم، والتي نقلت صوته إلى جميع أنحاء العالم العربي.
لم تكن شهرة عبد الباسط مقتصرة على مصر فقط، بل ذاع صيته في مختلف دول العالم الإسلامي وخارجه.
زار الشيخ العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية، حيث أُقيمت له العديد من الاحتفالات والاستقبالات الرسمية، وكان يتم استدعاؤه لقراءة القرآن في المناسبات الرسمية في دول مثل المملكة العربية السعودية، باكستان، الهند، فرنسا، والمملكة المتحدة.
تميز أسلوبه وأدائه
ما جعل عبد الباسط عبد الصمد متميزًا عن غيره من القراء هو أسلوبه الفريد في التلاوة، والذي يدمج بين جمال الصوت، والدقة في الأحكام، والإحساس الروحي العميق.
صوته كان هادئًا، عذبًا، وقويًا في نفس الوقت، مما جعله قادرًا على التأثير في قلوب السامعين بغض النظر عن لغتهم أو خلفيتهم الثقافية.
تميز عبد الباسط باستخدامه للترتيل بطريقة تجعل المستمع يشعر بخشوع واستحضار لعظمة القرآن.
اعتمد على المدود والوقفات بطريقة تزيد من الإحساس بالمعاني القرآنية، دون إفراط أو تكلف.
قدرته على التنقل بين المقامات الموسيقية بحرفية كبيرة أضافت لمسة جمالية وفنية للتلاوة، جعلت قراءته لا تُنسى وتلامس القلوب.
الأثر الدائم في العالم الإسلامي
لا يخفى على أحد أن عبد الباسط عبد الصمد كان أكثر من مجرد قارئ للقرآن، فقد كان رمزًا من رموز العالم الإسلامي.
تمكن الشيخ عبد الباسط من نقل القرآن إلى كل بيت مسلم بطريقة تجذب الجميع، سواء كان قارئًا أو مستمعًا، بغض النظر عن مستوى معرفته بالقرآن.
عبر عقود من الزمن، لا يزال صوته يتردد في المساجد، الإذاعات، والمنازل في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
أثر عبد الباسط في العديد من القراء المعاصرين، حيث أصبح قدوة يحتذى بها لكل من أراد تعلم فن التلاوة.
حتى بعد وفاته، لا تزال تسجيلاته تُستمع على نطاق واسع وتُدرس في المعاهد والمدارس القرآنية.
الأوسمة والتكريم
نتيجة لجهوده الكبيرة في خدمة القرآن، نال عبد الباسط عبد الصمد العديد من الأوسمة والتكريمات من دول مختلفة.
تم تكريمه في العديد من المناسبات داخل وخارج مصر، حيث حصل على أوسمة وشهادات تقدير من رؤساء دول وملوك، بما في ذلك جائزة الدولة التقديرية من الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
إلى جانب التكريمات الرسمية، يكفي أن نعرف أن تقدير المسلمين في جميع أنحاء العالم لعبد الباسط عبد الصمد كان أكبر تكريم له. فقد أصبح اسمه مرادفًا للقرآن، وأصبح العديد من المسلمين يتخذونه مرجعًا في كيفية التلاوة الصحيحة.
النهاية والخلود
رحل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد عن دنيانا في 30 نوفمبر 1988، لكن صوته لا يزال يحيي القلوب. لقد ترك لنا تراثًا صوتيًا ضخمًا من التلاوات التي تستمر في نشر نور القرآن الكريم.
ورغم مرور عقود على وفاته، لا يزال الناس من جميع الأعمار يستمعون إلى تلاواته، ولا يزال اسمه يتردد على ألسنة كل من عشق القرآن.
إن سيرة عبد الباسط عبد الصمد تظل خالدة، فهو ليس فقط قارئًا للقرآن، بل رمزًا من رموز الحضارة الإسلامية، وصوتًا يذكرنا بجمال وروعة القرآن الكريم.
اقرا ايضا: الدكتور فاضل صالح السامرائي