أشرف غني الرئيس الأفغاني
أشرف غني أحمدزي، السياسي والأكاديمي الأفغاني، شغل منصب الرئيس الرابع عشر لأفغانستان بين عامي 2014 و2021.
هو أحد الشخصيات المثيرة للجدل التي سيطرت على المشهد السياسي في أفغانستان خلال فترة حاسمة من تاريخ البلاد.
جاء إلى السلطة على وعدٍ بإعادة بناء دولة مزقتها عقود من الحروب والصراعات، إلا أن فترة حكمه انتهت بطريقة دراماتيكية وسط انهيار حكومته واستيلاء حركة طالبان على السلطة في أغسطس 2021.
رحلته السياسية وأسباب فشله تجمع بين عدة عوامل تتراوح بين الإرادة السياسية، الفساد المستشري، والعوامل الجيوسياسية.
الخلفية الأكاديمية والسياسية
ولد أشرف غني في 19 مايو 1949 في كابول، في أسرة بارزة ضمن القبائل البشتونية. حصل على تعليمه في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نال شهادة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة كولومبيا، وقضى فترة طويلة يعمل في التدريس والأبحاث الأكاديمية في عدة جامعات مرموقة مثل جامعة جونز هوبكنز.
قبل أن ينخرط في السياسة، عمل غني في البنك الدولي وكان من أبرز الاقتصاديين الذين ساهموا في وضع استراتيجيات تنموية لعدة دول.
عند عودته إلى أفغانستان بعد سقوط حكومة طالبان الأولى في 2001، تولى عدة مناصب هامة في إدارة الدولة الأفغانية، بما في ذلك منصب وزير المالية.
كان يُنظر إلى غني آنذاك باعتباره تكنوقراطيًا مؤهلًا لإدارة شؤون البلاد، بفضل خبراته الدولية ونظرياته الاقتصادية التي تركز على إعادة بناء الدولة من خلال المؤسسات الحكومية.
الرئاسة: آمال الإصلاح وتحديات الواقع
عندما فاز غني بالانتخابات الرئاسية في 2014، كانت الآمال كبيرة في أن يكون قائداً قادراً على إخراج أفغانستان من دوامة الفساد والفوضى. قدم وعودًا بالإصلاح السياسي والاقتصادي، وإعادة بناء البنية التحتية، وتقوية الجيش الوطني.
وكانت أولى خطواته كرئيس محاولة التوصل إلى اتفاقات سلام مع طالبان، إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل.
فشل غني في تقديم بديل قوي لطالبان، كما واجه انتقادات متزايدة بسبب عدم قدرته على محاربة الفساد، الذي ازداد في مؤسسات الدولة بشكل ملحوظ.
الضغوط الداخلية لم تكن التحدي الوحيد، بل إن العلاقات مع القوى الخارجية، وخاصة الولايات المتحدة، لعبت دورًا كبيرًا في مصير حكومته.
رغم أن غني اعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي، إلا أن انسحاب القوات الأمريكية بناءً على اتفاق الدوحة مع طالبان في 2020 شكل صدمة كبيرة لحكومته، حيث تبين أن الجيش الأفغاني غير قادر على مواجهة التمرد دون الدعم العسكري الأمريكي.
انهيار الحكومة والفرار من كابول
في أغسطس 2021، وبعد تقدم سريع لقوات طالبان نحو العاصمة كابول، انهارت الحكومة الأفغانية بطريقة غير متوقعة.
قرر غني الفرار من البلاد بشكل مفاجئ، ما أدى إلى انهيار الجيش الأفغاني ودخول طالبان إلى كابول دون مقاومة تذكر.
كان هذا الحدث نقطة تحول في تاريخ أفغانستان، إذ اعتبر الكثيرون أن هروب غني شكل خيانة لشعبه، خصوصاً بعد تصريحاته المتكررة بأنه لن يغادر البلاد.
غني برر هروبه في وقت لاحق بأنه كان لحماية حياة المواطنين وتجنب الفوضى. لكنه لم يتمكن من إقناع الرأي العام الأفغاني والعالمي بهذا التبرير.
بعد سقوط كابول، انتقده الكثيرون، بما في ذلك مسؤولون في حكومته، حيث اعتبروا أن فراره ساهم في تعجيل سقوط النظام وأدى إلى حالة من الذعر والفوضى.
تقييم فترة حكم غني
يمكن النظر إلى فترة حكم غني من زوايا متعددة. من ناحية، كان غني يتمتع بخلفية أكاديمية واقتصادية قوية وكان لديه رؤية لإعادة بناء أفغانستان.
إلا أن هذه الرؤية اصطدمت بواقع معقد مليء بالتحديات. سيطر الفساد على مؤسسات الدولة بشكل جعل من المستحيل تقريبًا تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها.
كما أن فشله في إبرام اتفاقية سلام مع طالبان، وإهماله لتقوية الجيش الأفغاني بشكل مستقل، كانا من العوامل الرئيسية التي ساهمت في انهيار نظامه.
بالإضافة إلى ذلك، لم يكن غني قادرًا على بناء تحالفات قوية داخل النظام السياسي الأفغاني. العلاقات المتوترة مع زعماء القبائل والشخصيات السياسية البارزة الأخرى، إضافة إلى الانقسامات العرقية، جعلت حكمه هشًا.
ومع مرور الوقت، بدأت شعبية غني تتراجع بشكل كبير، خاصة في ظل تزايد الهجمات الإرهابية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
إرث أشرف غني
على الرغم من فشله في الحفاظ على السلطة، لا يمكن إنكار أن أشرف غني كان شخصية بارزة ومؤثرة في تاريخ أفغانستان الحديث. كان يمثل جيلاً جديدًا من السياسيين الأفغان الذين حاولوا تقديم رؤية حديثة لإعادة بناء الدولة.
ومع ذلك، فإن إرثه سيظل مرتبطًا بسقوط حكومته وعودة طالبان إلى السلطة بعد عشرين عامًا من الغزو الأمريكي لأفغانستان.
يبقى السؤال الكبير حول إرث أشرف غني: هل كانت مشكلته هي الظروف الصعبة التي واجهها، أم أن قراراته الخاطئة وسوء إدارته للأزمات هي التي أدت إلى انهياره؟ من المؤكد أن الإجابة تحمل جوانب من الحقيقتين، إذ أن أفغانستان كانت دائمًا ساحة للصراعات الدولية والإقليمية، وفي نفس الوقت كانت تعاني من ضعف القيادات السياسية التي لم تتمكن من تقديم حلول جذرية.
اقرا ايضا: العالم مندليف مكتشف الجدول الدوري