الحملة الفرنسية على مصر
تُعتبر الحملة الفرنسية على مصر واحدة من أهم الأحداث التي شهدها العالم العربي في أواخر القرن الثامن عشر.
قاد هذه الحملة الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت عام 1798، وكانت تهدف إلى بسط النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط وتحقيق أهداف متعددة اقتصادية واستراتيجية وثقافية.
استمرت الحملة لمدة ثلاث سنوات، ولكنها تركت آثارًا عميقة على مصر وعلى العالم الإسلامي بشكل عام.
أسباب الحملة الفرنسية:
- التوسع الإمبراطوري الفرنسي:
في أواخر القرن الثامن عشر، كان الطموح الفرنسي للتوسع الإمبراطوري يتزايد، خاصة بعد نجاح الثورة الفرنسية. أرادت فرنسا تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وتحقيق التوازن في مواجهة الإمبراطورية البريطانية، التي كانت تسيطر على مسارات التجارة العالمية وتحكم البحار. - ضرب المصالح البريطانية:
كانت بريطانيا تسيطر على الطريق البحري بين الهند وأوروبا، وهذا جعلها خصمًا قويًا لفرنسا. كانت الحملة الفرنسية على مصر تهدف إلى قطع هذا الطريق وإضعاف النفوذ البريطاني في الهند من خلال السيطرة على مصر كقاعدة استراتيجية. - البحث عن مجد عسكري:
كان نابليون بونابرت شابًا طموحًا يسعى لتحقيق مجد شخصي وعسكري. رأى أن مصر، بتاريخها العريق وموقعها الجغرافي المهم، ستكون مسرحًا لتحقيق انتصارات عسكرية ترفع من شأنه في الساحة الدولية.
مجريات الحملة:
انطلقت الحملة في مايو 1798، حيث بدأت بعبور نابليون والجيش الفرنسي إلى مصر عبر البحر المتوسط. كان الجيش الفرنسي يتألف من حوالي 40 ألف جندي، بالإضافة إلى مجموعة من العلماء والمهندسين والمثقفين، الذين كانوا مكلفين بدراسة مصر من جميع جوانبها.
- الاستيلاء على الإسكندرية:
في يوليو 1798، نزلت القوات الفرنسية على سواحل الإسكندرية واستولت على المدينة بسرعة. كان الهدف هو تأمين قاعدة بحرية قوية تسمح للقوات الفرنسية بالتقدم نحو القاهرة. - معركة الأهرام:
كانت هذه المعركة الحاسمة بين الجيش الفرنسي والقوات المملوكية، حيث انتصر الفرنسيون بقيادة نابليون في معركة الأهرام (معركة إمبابة). هذه المعركة كانت مفتاح السيطرة الفرنسية على القاهرة والوجه البحري. - معركة أبي قير البحرية:
في أغسطس 1798، تعرضت القوات الفرنسية لنكسة كبيرة عندما دمر الأسطول البريطاني بقيادة الأدميرال نيلسون الأسطول الفرنسي في معركة أبي قير البحرية. هذا الانتصار البريطاني قضى على آمال الفرنسيين في تأمين خطوط إمدادهم البحرية وترك القوات الفرنسية في مصر معزولة.
الآثار الثقافية والعلمية:
إلى جانب الأهداف العسكرية والسياسية، حملت الحملة الفرنسية بعدًا علميًا وثقافيًا. جاء مع الجيش الفرنسي أكثر من 150 عالمًا في مختلف التخصصات، من بينهم علماء رياضيات وهندسة وآثار. كانوا يهدفون إلى دراسة مصر بشكل معمق، مما أدى إلى اكتشافات هامة.
- وصف مصر:
إحدى أبرز إنجازات الحملة كانت إصدار موسوعة “وصف مصر”، التي كانت نتاج عمل علماء الحملة الفرنسية. تضمنت الموسوعة معلومات تفصيلية عن المجتمع المصري، الآثار الفرعونية، البيئة، والنباتات والحيوانات. - اكتشاف حجر رشيد:
اكتُشف حجر رشيد عام 1799 من قبل أحد جنود الحملة الفرنسية، وهو الحجر الذي سمح فيما بعد بفك رموز الكتابة الهيروغليفية على يد العالم الفرنسي شامبليون. هذا الاكتشاف فتح أبوابًا جديدة لدراسة الحضارة المصرية القديمة.
نهاية الحملة:
على الرغم من النجاحات الأولية، إلا أن الحملة الفرنسية واجهت العديد من التحديات التي أدت في النهاية إلى انسحاب القوات الفرنسية. من بين هذه التحديات:
- المقاومة الشعبية:
واجهت القوات الفرنسية مقاومة شرسة من المصريين، الذين لم يتقبلوا الوجود الفرنسي. قاد العلماء والمشايخ المصريون حركات مقاومة شعبية، لا سيما في القاهرة. - الغزو العثماني والبريطاني:
لم تكن فرنسا وحدها التي تسعى للسيطرة على مصر، حيث تحالف العثمانيون مع البريطانيين لاستعادة السيطرة على الأراضي المصرية. في عام 1801، أرسل السلطان العثماني جيشًا بالتعاون مع القوات البريطانية، مما أجبر الفرنسيين على التراجع والانسحاب. - تدهور الأوضاع الداخلية في فرنسا:
بحلول عام 1799، بدأت الأوضاع في فرنسا تتدهور سياسيًا وعسكريًا، مما دفع نابليون للعودة إلى فرنسا وترك القوات الفرنسية في مصر تحت قيادة الجنرال كليبر، الذي قُتل لاحقًا على يد أحد المقاومين المصريين.
في الختام
على الرغم من فشل الحملة الفرنسية عسكريًا وسياسيًا، إلا أنها تركت تأثيرًا عميقًا على مصر والمنطقة بأسرها.
فقد أسهمت في نقل التكنولوجيا والمعرفة الحديثة إلى مصر، وفتحت الباب أمام الدراسات الأثرية والتاريخية الحديثة.
كما أنها جعلت القوى الأوروبية تدرك أهمية الشرق الأوسط كمركز استراتيجي وسياسي، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في التوازنات الدولية في القرون التالية.
اقرا ايضا: الدولة البهلوية.. بداية عهد جديد في إيران