الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني.. تاريخ ودور في السياسة الأفغانية
الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني (PDPA) هو أحد الأحزاب السياسية الرئيسية في تاريخ أفغانستان الحديث.
تأسس في 1 يناير 1965، وكان له دور محوري في التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد خلال القرن العشرين، وصولاً إلى الانقلاب الذي أطاح بالنظام الملكي وأسس لجمهورية اشتراكية في البلاد.
يعود تاريخ الحزب إلى فترة متوترة من الصراع الدولي والحرب الباردة، حيث لعبت أيديولوجيات مثل الشيوعية والاشتراكية دوراً بارزاً في تشكيل السياسة الأفغانية.
التأسيس والخلفية الأيديولوجية
تأسس الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني على يد مجموعة من المثقفين والسياسيين اليساريين الذين تأثروا بالأفكار الاشتراكية والشيوعية العالمية.
كان الهدف الأساسي للحزب هو تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في أفغانستان من خلال نشر الأيديولوجيا الاشتراكية ومحاربة النظام الإقطاعي الذي كان سائداً آنذاك.
اتخذ الحزب مواقف معادية للإمبريالية، وكان يسعى لتحرير أفغانستان من التأثير الأجنبي، خصوصاً من الهيمنة الغربية التي كانت تمارس عبر أشكال الاستعمار الجديد.
تأثر الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني بالاتحاد السوفيتي، الذي كان في ذلك الوقت القوة العظمى المهيمنة في المعسكر الشرقي.
وقد تلقى الحزب دعماً مادياً وسياسياً من موسكو، ما جعله أحد الأطراف المحسوبة على الكتلة الشرقية في الحرب الباردة.
الصراع الداخلي والانشقاقات
منذ تأسيسه، عانى الحزب من انقسامات داخلية بين تيارات مختلفة. كان أبرز تلك الانشقاقات بين جناحين رئيسيين: جناح “خلق” بقيادة نور محمد تره كي وحفيظ الله أمين، وجناح “بارشام” بقيادة ببرك كارمل.
مثل جناح “خلق” الجناح الأكثر تطرفاً وثورية، بينما كان جناح “بارشام” أكثر اعتدالاً، وسعى للتعاون مع العناصر الوطنية والدينية لتحقيق أهداف الحزب.
هذه الانقسامات الداخلية لم تضعف الحزب في البداية، ولكنه سرعان ما واجه تحديات كبيرة بعد استيلائه على السلطة.
الانشقاقات بين الجناحين تطورت إلى صراع دموي أدى إلى اغتيالات وتصفيات داخلية، وكان لهذا أثر كبير في إضعاف الحزب على المدى الطويل.
الوصول إلى السلطة: ثورة 1978
في أبريل 1978، قاد الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني ثورة ضد الرئيس محمد داود خان الذي كان قد أنهى النظام الملكي وأسس الجمهورية في 1973.
نجحت الثورة التي عُرفت باسم “ثورة ثور”، وأطاحت بنظام داود خان، ليصبح نور محمد تره كي رئيساً للبلاد.
أعلنت الجمهورية الديمقراطية في أفغانستان، وبدأ الحزب في تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق في الاقتصاد والتعليم والزراعة.
أولى الحكومات التي تشكلت تحت قيادة الحزب واجهت العديد من التحديات. محاولات تره كي وأمين لفرض الإصلاحات الاشتراكية بطرق قسرية أثارت غضب قطاعات واسعة من المجتمع، بما في ذلك رجال الدين والزعماء القبليين. أدى ذلك إلى اضطرابات داخلية، وتزايد في المعارضة المسلحة ضد الحكومة.
التدخل السوفيتي وأثره على الحزب
في عام 1979، تدخل الاتحاد السوفيتي عسكرياً في أفغانستان لدعم الحكومة التي كان يترأسها الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني. كانت الحكومة الأفغانية تحت قيادة حفيظ الله أمين بعد إطاحة نور محمد تره كي.
التدخل السوفيتي كان هدفه منع انهيار النظام الاشتراكي في أفغانستان والحفاظ على النفوذ السوفيتي في المنطقة.
التدخل السوفيتي أدى إلى تصاعد العنف والتمرد الداخلي. بدأت الجماعات المعارضة، بدعم من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، بتصعيد العمليات ضد الحكومة الأفغانية والقوات السوفيتية.
الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني أصبح مرادفاً للنظام القمعي الذي كان يحاول فرض الاشتراكية بالقوة، مما زاد من عزلة الحزب وفقدانه لشعبيته.
خلال فترة الاحتلال السوفيتي (1979-1989)، تزايدت الخلافات داخل الحزب، وأدى الصراع مع المقاومة الأفغانية إلى نزيف بشري واقتصادي كبير.
بحلول عام 1986، تم استبدال ببرك كارمل برئيس جديد، محمد نجيب الله، الذي حاول تنفيذ إصلاحات سياسية وتقديم عروض للسلام مع المعارضة، لكنها لم تلقَ قبولاً واسعاً.
انهيار الحزب وسقوط النظام
مع انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان في 1989، تدهورت الأوضاع في البلاد. الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني وجد نفسه وحيداً في مواجهة المعارضة المسلحة والجماعات المجاهدة.
في 1992، سقط النظام المدعوم من الحزب، وتم الاستيلاء على العاصمة كابول من قبل قوات المجاهدين، مما أدى إلى انهيار الحزب واختفائه عن المشهد السياسي.
الإرث والتأثير
رغم انتهاء وجود الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني كقوة سياسية في أفغانستان، إلا أن تأثيره لا يزال محسوساً حتى اليوم.
كانت سنوات حكمه فترة فاصلة في تاريخ أفغانستان، حيث أدت إلى تغييرات جذرية في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبلاد. كما أن إرث الحرب الأهلية التي أعقبت حكم الحزب ما زال يثقل كاهل أفغانستان حتى يومنا هذا.
الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني قدم تجربة حكم قائمة على الاشتراكية في بلد محافظ تقليدياً، وكانت نتائجه مزيجاً من النجاح في بعض الجوانب والفشل في جوانب أخرى.
اقرا ايضا: قادة حركة طالبان.. نظرة على الشخصيات البارزة