التركمان هم مجموعة عرقية تركية تنتشر في مناطق مختلفة من العالم، ولديهم تاريخ طويل وثقافة غنية.
يرتبطون بشعب الترك الأوسع، لكنهم يتميزون بخصائص فريدة تتعلق بلهجتهم، تقاليدهم، وتاريخهم الخاص.
في هذا المقال، سنلقي نظرة شاملة على التركمان من حيث أصولهم التاريخية، توزيعهم الجغرافي، لغتهم وثقافتهم، وأدوارهم السياسية والاجتماعية عبر التاريخ.
الأصول التاريخية للتركمان
يعود أصل التركمان إلى القبائل التركية التي كانت تعيش في منطقة آسيا الوسطى منذ العصور القديمة.
كانوا جزءاً من الشعوب التركية التي تنقلت بين السهول الواسعة في تلك المنطقة، وتطوروا كمجموعة مستقلة مع مرور الوقت.
يُعتقد أن مصطلح “تركمان” ظهر لأول مرة في القرن العاشر الميلادي، وكان يشير إلى المجموعات التركية التي اعتنقت الإسلام، حيث تم إطلاق هذا المصطلح لتمييزهم عن الأتراك الآخرين الذين لم يعتنقوا الدين بعد.
الهجرة التركية الكبرى إلى مناطق أخرى بدأت في العصور الوسطى. كانت القبائل التركية، بما في ذلك التركمان، تتحرك بحثاً عن أراضٍ جديدة نتيجة للتغيرات المناخية والنزاعات الداخلية.
تدريجياً، انتقل التركمان إلى مناطق مثل الشرق الأوسط، القوقاز، والبلقان. وأصبح لهم وجود ملحوظ في أجزاء من الإمبراطورية السلجوقية والعثمانية لاحقًا.
التوزيع الجغرافي للتركمان
اليوم، يعيش التركمان في عدة بلدان، ويشكلون مجموعات عرقية معتبرة في مناطق متعددة. يتمركزون بشكل رئيسي في أربع دول رئيسية: تركمانستان، العراق، سوريا، وأذربيجان.
- تركمانستان: تعد تركمانستان الدولة الوحيدة التي يشكل فيها التركمان غالبية السكان. حصلت تركمانستان على استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في عام 1991، ومنذ ذلك الحين أصبحت موطنًا للأغلبية التركمانية. اللغة التركمانية هي اللغة الرسمية للبلاد، والتركمان هناك يحتفظون بتراثهم وتقاليدهم بشكل كبير.
- العراق: يشكل التركمان ثالث أكبر مجموعة عرقية في العراق بعد العرب والأكراد. يتمركزون في شمال البلاد، خصوصًا في محافظات كركوك، نينوى، وديالى. لديهم تاريخ طويل في العراق، حيث كانوا جزءًا من الإمبراطورية العثمانية قبل تقسيم المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى. يُعتبر التركمان في العراق جزءًا مهمًا من التركيبة السكانية والسياسية في البلاد.
- سوريا: يعيش التركمان في سوريا منذ قرون، ويشكلون جزءًا من النسيج المتعدد الأعراق في البلاد. يتواجدون بشكل رئيسي في مناطق مثل حلب واللاذقية. رغم أنهم يشكلون أقلية، فإنهم نشطون سياسياً وثقافياً، ويشاركون في العديد من التوجهات المحلية والإقليمية.
- أذربيجان: يعتبر الشعب الأذري في أذربيجان شعبًا تركيًا أيضاً، لكن بعض التركمان يعيشون في هذه المنطقة وهم مرتبطون تاريخيًا بالتركمان في آسيا الوسطى.
اللغة والثقافة التركمانية
التركمان يتحدثون اللغة التركمانية، وهي جزء من مجموعة اللغات التركية ضمن اللغات الألطية.
تختلف اللهجة التركمانية قليلاً حسب المناطق الجغرافية، لكن اللغة تحافظ على بنيتها التقليدية التي تميزها عن بقية اللغات التركية.
في تركمانستان، تُدرّس اللغة التركمانية بشكل رسمي في المدارس والجامعات، بينما في الدول الأخرى مثل العراق وسوريا، يتم استخدامها بشكل رئيسي في المنازل والمجتمعات المحلية، في ظل هيمنة اللغات العربية والكردية.
تتميز الثقافة التركمانية بغناها وتنوعها. يشتهر التركمان بالفن التقليدي مثل نسج السجاد، وهو جزء مهم من هويتهم الثقافية.
السجاد التركماني مشهور بجودته العالية وتصاميمه المعقدة، وهو يُعتبر رمزاً للوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة التركمانية.
يتميز التركمان أيضاً بموسيقاهم الشعبية، التي تتمحور حول استخدام الآلات التقليدية مثل “الطنبور” و”الدوتار”.
الأغاني التركمانية غالبًا ما تكون عن الحب والطبيعة والحياة اليومية، وتلعب دوراً مهماً في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات.
الدور السياسي والاجتماعي للتركمان عبر التاريخ
كان للتركمان دور سياسي بارز عبر التاريخ، خصوصًا خلال فترة الإمبراطوريات التركية مثل الإمبراطورية السلجوقية والإمبراطورية العثمانية.
العديد من الحكام والقادة العظام في تلك الإمبراطوريات كانوا من أصول تركمانية.
في العصر الحديث، يواصل التركمان لعب دور سياسي مهم، خاصة في دول مثل العراق وتركمانستان.
في العراق، على سبيل المثال، التركمان يطالبون بحقوقهم السياسية والإدارية، ويعملون على الحفاظ على هويتهم الثقافية.
بعد سقوط نظام صدام حسين، أصبح لهم دور أكبر في البرلمان والسياسة العراقية، حيث يسعون للمشاركة في القرارات التي تؤثر على مناطقهم.
في تركمانستان، يسيطر التركمان على الحكومة والاقتصاد، لكن النظام السياسي هناك يتميز بالاستبداد تحت قيادة الرئيس، مما يحد من بعض الحريات الديمقراطية.
رغم ذلك، يعتبر التركمان في تركمانستان من أغنى الشعوب التركية اقتصاديًا بفضل احتياطيات الغاز الطبيعي الضخمة في البلاد.
في الختام
التركمان يمثلون جزءاً مهماً من التاريخ والثقافة التركية، ولهم انتشار جغرافي واسع في مناطق متعددة.
تجمعهم اللغة المشتركة والتراث الثقافي الغني، مما يجعلهم جزءًا لا يتجزأ من التركيبة السكانية للدول التي يعيشون فيها.
ورغم التحديات السياسية والاجتماعية التي يواجهونها، يظل التركمان متمسكين بهويتهم وثقافتهم، ويسعون للحفاظ عليها للأجيال القادمة.
اقرا ايضا: الصقالبة.. العبيد المحاربون في تاريخ العالم الإسلامي