اتفاقية سان ريمو
اتفاقية سان ريمو هي اتفاقية سياسية تم توقيعها في أبريل 1920، خلال مؤتمر سان ريمو الذي عُقد في مدينة سان ريمو بإيطاليا.
عُقد هذا المؤتمر من قِبَل الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وتحديدًا بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، بهدف مناقشة وتحديد مصير الأراضي التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية، وذلك في إطار إعادة رسم الحدود في الشرق الأوسط بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.
خلفية اتفاقية سان ريمو
مع نهاية الحرب العالمية الأولى وتفكك الإمبراطورية العثمانية، أصبحت هناك حاجة ملحّة لتحديد كيفية إدارة الأراضي التي كانت تحت السيطرة العثمانية، لا سيما في الشرق الأوسط.
ومن خلال معاهدة فرساي، تم إنشاء “عصبة الأمم” التي أصدرت نظام الانتداب، والذي يقضي بأن يتم وضع بعض الأقاليم تحت إشراف قوى كبرى لضمان “تهيئة الشعوب” لتحقيق الاستقلال الذاتي.
تمهيدًا لذلك، التقى الحلفاء في سان ريمو في أبريل 1920 لمناقشة كيفية توزيع الانتدابات على الأراضي العثمانية السابقة في الشرق الأوسط، وخصوصًا في فلسطين وسوريا والعراق.
قرارات مؤتمر سان ريمو
أفضى مؤتمر سان ريمو إلى عدد من القرارات الرئيسية، أبرزها:
- انتداب بريطانيا على فلسطين والعراق: منحت بريطانيا الانتداب على فلسطين والعراق. وبموجب هذا الانتداب، أُعطيت بريطانيا الحق في إدارة هذين الإقليمين بشكل مباشر، مع التزامها بتطوير البنية التحتية، وتعزيز الحكم الذاتي، وإعداد هذه الأقاليم للاستقلال.
- انتداب فرنسا على سوريا ولبنان: مُنحت فرنسا الانتداب على سوريا ولبنان، ما منحها الصلاحيات الكاملة لإدارة هذه المناطق والتحكم في شؤونها الداخلية والخارجية، على أن تعمل على تطوير المنطقة سياسياً واقتصادياً بهدف إعدادها للاستقلال.
- التأكيد على وعد بلفور: تضمنت اتفاقية سان ريمو تأكيدًا على وعد بلفور الصادر عام 1917، والذي أعلن دعم بريطانيا لإنشاء “وطن قومي لليهود” في فلسطين. بناءً على ذلك، التزمت بريطانيا بموجب الانتداب بتسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتقديم الدعم اللازم لتحقيق هذا الهدف، مما أثار غضب السكان العرب في فلسطين آنذاك، حيث اعتبروا ذلك تهديدًا لهويتهم ومصالحهم.
- التزام الدول المنتدبة بمبادئ عصبة الأمم: اشتُرط على بريطانيا وفرنسا الالتزام بمبادئ نظام الانتداب، والذي أقرته عصبة الأمم، بهدف تأهيل هذه المناطق لتحقيق الحكم الذاتي.
تأثيرات اتفاقية سان ريمو على الشرق الأوسط
كانت اتفاقية سان ريمو بدايةً لمرحلة جديدة من النفوذ الأوروبي في الشرق الأوسط، وأثّرت تأثيرًا عميقًا في الخريطة السياسية والاجتماعية للمنطقة. نتج عن هذه الاتفاقية العديد من التغييرات، من أبرزها:
- تأسيس الكيانات السياسية: أسهمت اتفاقية سان ريمو في تشكيل الكيانات السياسية الحديثة في الشرق الأوسط. تم تشكيل دول مثل العراق وسوريا ولبنان وفقًا للحدود التي حددتها الاتفاقية، مما أسفر عن بروز قوى سياسية وطنية سعت إلى تحقيق الاستقلال وإنهاء الانتداب.
- التوترات العربية-اليهودية في فلسطين: تأكيد وعد بلفور في مؤتمر سان ريمو أفضى إلى توترات متزايدة بين العرب واليهود في فلسطين. ازدادت الهجرة اليهودية إلى فلسطين بتسهيل من بريطانيا، مما أدى إلى اشتباكات وأحداث عنف متصاعدة بين الطرفين، ووضعت أسس الصراع العربي-الإسرائيلي الذي لا يزال مستمرًا حتى اليوم.
- بروز حركات الاستقلال: مع مرور الزمن، بدأت شعوب المنطقة بالتحرك للمطالبة بالاستقلال وإنهاء الانتداب. شهدت العراق وسوريا ولبنان ثورات وحركات وطنية قوية تطالب بإخراج النفوذ الأجنبي وتحقيق الاستقلال، وقد أُثمرت هذه الحركات في نهاية المطاف بحصول هذه الدول على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية.
- إرث اتفاقية سايكس بيكو: تعتبر اتفاقية سان ريمو امتدادًا لاتفاقية سايكس بيكو السرية التي أبرمتها بريطانيا وفرنسا خلال الحرب العالمية الأولى لتقسيم المناطق العثمانية بينهما. كان لسان ريمو دور في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه سرًا، ما خلق حدودًا سياسية جديدة لم تأخذ في اعتبارها التنوع الديني والعرقي في المنطقة، مما أسفر عن توترات وصراعات لاحقة.
في الختام
تمثل اتفاقية سان ريمو لحظة مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، حيث أعادت رسم خريطة المنطقة وأدخلت نفوذًا أوروبيًا مباشرًا.
ورغم أن هدف الانتداب كان إعداد الشعوب للاستقلال، إلا أن التأثير الفعلي كان في كثير من الأحيان إثارة الاضطرابات وإشعال فتيل النزاعات.
شكلت هذه الاتفاقية الأساس للعديد من التحديات التي ما زالت تواجهها المنطقة إلى اليوم، بما في ذلك الصراع العربي-الإسرائيلي والحركات الوطنية التي نشأت كرد فعل على الهيمنة الأجنبية.
اقرا ايضا: الثورة الإيرانية.. نهوض الشعب وتغيير النظام