الحرية مفهومها وأهميتها
تُعتبر الحرية من أبرز المطالب الإنسانية التي رافقت تاريخ البشرية عبر العصور المختلفة، فهي سمة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها.
من خلالها، يتمكن الفرد من تحقيق رغباته دون قيود أو إجبار. ولأهميتها، تغنى بها الشعراء، وأبدع الأدباء في كتابتها، وضحى من أجلها الكثير من الناس.
تعريف الحرية
تتباين تعريفات الحرية باختلاف الزمان والمكان، مما أدى إلى وجود العديد من التعريفات التي تصفها. فقد عرّف إعلان حقوق الإنسان الصادر في عام 1789 الحرية بأنها “حق الفرد في القيام بكل ما لا يضر الآخرين”.
وتعني الحرية قدرة الإنسان على اتخاذ قراراته بإرادته، سواء كانت تتعلق بالجوانب المادية أو المعنوية، دون أي ضغط من طرف آخر.
أما كمفهوم، فإن الحرية تعني أن يتمتع الفرد بإطار شامل ينظم حريته الشخصية ويحمي حريات الآخرين. فلكل فرد حرية خاصة به، بشرط أن يلتزم بالحدود ولا يتعدى على حرية الآخرين، إذ تنتهي حريته عند بداية حرية الآخرين.
يجب على الإنسان أن يدرك أنه يعيش في مجتمع مشترك مع العديد من الناس، ولكل منهم حق في الحرية، وقد كفلت جميع الأديان والأنظمة والقوانين هذا الحق وحثت عليه.
أهمية الحرية
تتمتع الحرية بأهمية كبيرة في حياة الأفراد والمجتمعات، ومن أبرز جوانب هذه الأهمية:
- تعكس الحرية وعي المجتمع، وتساعد في تقديم حلول لمشاكله وتحدياته على الأصعدة الأخلاقية والفكرية والاجتماعية والثقافية.
- تساهم الحرية في تحويل الواقع السلبي إلى إيجابي من خلال الاعتراف بالرأي والرأي الآخر والنقد البناء.
- تهدف الحرية إلى بناء الإنسان، مما يمنحه حياة كريمة وفرصًا للإنتاج والابتكار.
- تعزز الحرية من شخصية الفرد وتساهم في نمو المجتمع.
- تعزز الحرية من مكانة الحكام في نفوس شعوبهم، مما يزيد من سعادة الشعوب وازدهار الأوطان.
- تدعم الحرية المجتمع وتقوي أسسه وأركانه.
- تعزز من قيمة التنمية المستدامة، حيث تكون المجتمعات الحرة أكثر إنتاجية وفائدة.
- تساهم الحرية في تقليل مشاعر النقمة لدى الشعوب وتحريرهم من الرغبة في الإهمال والعنف.
- تعلم الحرية الإنسان على العطاء، إذ لا يمكن لأي شخص غير حر أن يقدم قيمة إضافية لنفسه أو لمجتمعه.
- تمكن الحرية الأفراد والجماعات من العمل بفاعلية لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم.
- تُعتبر الحرية محورًا رئيسيًا في معظم الأديان والمبادئ في نقاشاتها وصراعاتها الفكرية.
- تشكل الحرية الأساس لصنع تاريخ المستقبل، حيث يُعتبر الإنسان الحر روحًا منتجة للتقدم.
- تعزز الحرية استقرار الاقتصاد وأمنه، إذ أن غيابها يؤدي إلى استبداد يحكم الإنسان والمجتمع.
- تؤكد الحرية على معاني الأخلاق السامية، وتوجه الإنسان نحو الفضائل، مما يساعده على تحسين واقعه.
- تساهم الحرية في بناء مجتمعات متماسكة ومتوازنة، وتحافظ على الحقوق الفردية والاجتماعية.
- ترسخ الحرية الأمن والسلام في المجتمعات، حيث توفر بيئة مناسبة لتبادل الآراء والنقاشات الهادئة.
مفهوم الحرية في الإسلام
- تُعتبر الحرية في الإسلام من الضرورات الإنسانية، وهي واجب إلهي وتكليف شرعي؛ إذ لا يمكن اعتبارها مجرد حق يمكن للفرد التخلي عنه متى شاء. فقد اعتبر الإسلام الرق والعبودية كالموت، بينما اعتبر الحرية هي الحياة. وقد جعل الإسلام في تشريعاته عتق الرقبة، أي إحيائها، كفارة لجريمة القتل الخطأ، حيث قال تعالى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ).
- أرسى الإسلام مبادئ الحرية حتى في اختيار الإنسان لدينه، حيث قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا). فقد منح الله الإنسان الحرية في تقرير دينه وفي أمور عقيدته وإيمانه، وحمّله مسؤولية اختياره، مما أقام الحجة عليه ومنحه عدله التام. كما قال تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). كما قال: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
- تجسدت الحرية في الإسلام في العديد من المواقف، ومن أبرزها ما حدث مع الصحابي عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عندما كان والياً على مصر في عهد خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. حيث شارك ابن عمرو بن العاص في سباق خيول مع غلام قبطي، وضرب ابن عمرو الغلام لأنه كان يعلم أن القبطي لن يتمكن من الانتقام منه بوجود والده وسلطانه. سافر والد الغلام القبطي مع ابنه إلى المدينة المنورة ليشكو ما حدث لأمير المؤمنين. فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص وأمره بالحضور مع ابنه إلى المدينة. وعندما حضرا، أعطى أمير المؤمنين الغلام القبطي سوطاً وأمره بأخذ حقه، فضربه حتى اقتص منه وشفى ما في نفسه. فقال عمر للقبطي: (لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك؛ لأن الغلام إنما ضربك لسطة أبيه). ثم التفت إلى عمرو بن العاص قائلاً: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟).
اقرا ايضا: الشعوب الجرمانية في العصر الحديدي