النجاشي
النجاشي هو لقب يُطلق على ملوك الحبشة في العصور القديمة، ويعتبر أشهر من حمل هذا اللقب هو الملك “أصحمة بن أبجر” الذي حكم الحبشة في الفترة التي عاصر فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
كان هذا الملك شخصية بارزة في التاريخ الإسلامي بسبب موقفه النبيل تجاه المسلمين الأوائل الذين فروا من اضطهاد قريش وطلبوا اللجوء إلى بلاده.
الخلفية التاريخية للنجاشي
تعود أصول النجاشي إلى مملكة أكسوم القديمة التي كانت تقع في المناطق التي تُعرف اليوم بإريتريا وشمال إثيوبيا. وكان ملوك الحبشة يعتنقون الديانة المسيحية في تلك الفترة.
حكم النجاشي أصحمة في القرن السابع الميلادي، وهو الوقت الذي كانت فيه شبه الجزيرة العربية تعيش في ظل الفوضى السياسية والدينية، مما جعلها تربة خصبة لنشوء الدعوة الإسلامية.
2. موقف النجاشي من الإسلام
عندما بدأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعوته في مكة، واجه المسلمون الأوائل اضطهادًا شديدًا من قريش.
وبسبب هذا الاضطهاد، أشار النبي إلى أتباعه بالهجرة إلى الحبشة قائلاً: “إن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد”.
وكانت هذه الهجرة هي الأولى في الإسلام، حيث رحبت الحبشة بالمهاجرين المسلمين وأمّنهم النجاشي.
عندما وصل المسلمون إلى الحبشة، أرسل قريش سفيرين إلى النجاشي يطلبان منه تسليم المسلمين، وكان ذلك في محاولة لإرجاعهم إلى مكة لاستمرار اضطهادهم.
لكن النجاشي استدعى المسلمين وسألهم عن دينهم الجديد. فقام جعفر بن أبي طالب، ممثل المسلمين في الحبشة، بشرح تعاليم الإسلام للنجاشي وقرأ عليه بعض الآيات من سورة مريم التي تتحدث عن ميلاد السيد المسيح عليه السلام.
تأثر النجاشي بالآيات القرآنية ورفض تسليم المسلمين إلى قريش، قائلاً: “إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة”.
إسهامات النجاشي في حماية المسلمين
لعب النجاشي دورًا هامًا في حماية المسلمين الأوائل ومنحهم الأمن في فترة كانت تُعد الأكثر تحديًا بالنسبة لهم.
وكان من العوامل المؤثرة في قرار النجاشي عدم تسليم المسلمين إلى قريش هو اقتناعه الشخصي بعدالة الدعوة الإسلامية وتطابقها مع بعض مبادئ المسيحية التي كان يؤمن بها.
وبالتالي، لم يكن قراره مبنيًا فقط على الرغبة في الحفاظ على العلاقات الجيدة مع النبي محمد، بل كان أيضًا تعبيرًا عن قناعته الشخصية بالدين الجديد.
لم يكن مجرد رفض النجاشي لتسليم المسلمين هو ما جعله شخصية محورية في التاريخ الإسلامي، بل إنه قام بإيوائهم وتوفير الحماية لهم لفترة طويلة حتى أصبحوا قادرين على العودة إلى الجزيرة العربية عندما استقرت الأمور هناك.
إسلام النجاشي
هناك روايات تُفيد بأن النجاشي قد أسلم لاحقًا بعد أن تأثر بالإسلام وبالرسائل التي أرسلها إليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وعلى الرغم من أن الإسلام في الحبشة لم ينتشر بشكل واسع في عهد النجاشي، إلا أن إسلامه الشخصي كان له أثر كبير على العلاقة بين المسلمين وأهل الحبشة.
ووفقًا لبعض الروايات، فإن النبي محمد صلى الله عليه وسلم علم بإسلام النجاشي وأمر المسلمين بالصلاة عليه صلاة الغائب بعد وفاته.
وهذه الحادثة هي المرة الوحيدة التي صلى فيها المسلمون صلاة الغائب على شخص لم يكن حاضرًا بينهم.
الأثر الدائم لموقف النجاشي
يُعتبر موقف النجاشي من أولى الشواهد على تسامح الإسلام وتقديره للديانات الأخرى.
لقد أرسى النجاشي مثالًا على القيادة التي تقوم على العدل واحترام حقوق الإنسان بغض النظر عن الديانة أو العرق.
وكان موقفه من حماية المسلمين الأوائل وإعطائهم الأمان من الاضطهاد رسالة قوية عن أهمية التسامح الديني.
كما أن دوره في حماية المسلمين الأوائل ساعد على توفير بيئة آمنة لنمو الدعوة الإسلامية خارج شبه الجزيرة العربية، وهو ما أسهم بشكل غير مباشر في انتشار الإسلام لاحقًا في مناطق مختلفة من العالم.
النجاشي في الأدب الإسلامي
حظيت شخصية النجاشي بتقدير كبير في التراث الإسلامي، حيث يعتبره المسلمون رمزًا للحاكم العادل الذي وقف إلى جانب الحق.
وتحتل قصته مكانة خاصة في السيرة النبوية، وتُروى لأجيال متعاقبة كجزء من تعليم قيم العدل والتسامح.
يُضرب به المثل في حسن الجوار والتعامل الإنساني، ويُذكر دائمًا كشخصية محورية في قصة هجرة المسلمين إلى الحبشة.
7. الدروس المستفادة من قصة النجاشي
قصة النجاشي تحمل العديد من الدروس القيمة، سواء من الناحية الدينية أو الإنسانية. أهم هذه الدروس:
- العدل والمساواة: كان النجاشي رمزًا للعدل في عصر كانت فيه القوى العظمى غالبًا ما تستغل شعوبها وتفرض الهيمنة بالقوة. لم يكن للنجاشي مصلحة شخصية في مساعدة المسلمين، لكنه اختار الوقوف إلى جانب الحق لأن ذلك كان يتوافق مع مبادئه.
- التسامح الديني: أظهر النجاشي تسامحًا دينيًا نادرًا في تلك الفترة، حيث لم يقف ضد المسلمين فقط بسبب اختلاف عقيدتهم. بل إنه أبدى احترامًا عميقًا لآرائهم واعتنق بعضها.
- الاستماع والتحليل: موقف النجاشي من المسلمين الأوائل يوضح أهمية الاستماع بعناية للآخرين قبل اتخاذ أي قرار. فقد استمع إلى جعفر بن أبي طالب وفهم موقفهم قبل أن يرفض مطالب قريش.
- القيم الإنسانية: القصة تسلط الضوء على أهمية القيم الإنسانية في التعامل مع الآخرين. فقد قدم النجاشي الحماية والرعاية للغرباء الذين لجأوا إلى بلاده، وهو ما يعكس قيمة عظيمة في التراث الإنساني.
في الختام
كان النجاشي أصحمة بن أبجر شخصية استثنائية في تاريخ الإسلام، حيث أسهم بقراراته في حماية الدعوة الإسلامية في مراحلها الأولى.
إنه رمز للعدل والتسامح والتعايش السلمي بين الأديان، وتبقى قصته واحدة من القصص الملهمة التي تحمل العديد من الدروس القيمة للأجيال القادمة.
تُظهر قصة النجاشي أن الدين ليس فقط مسألة معتقدات وأفكار، بل هو أيضًا مسألة قيم إنسانية يمكن أن تُمارس على أرض الواقع.
اقرا ايضا: أشهر العلماء المسلمين في العصر العباسي