أفغانستان، بلد غني بالتاريخ والتنوع الثقافي، كانت دائمًا ساحة للصراعات السياسية والتغييرات الاجتماعية الكبيرة.
تعد الحركات السياسية جزءًا لا يتجزأ من هذا السياق، حيث تسعى لتحقيق الأهداف الدينية أو الوطنية أو الاجتماعية.
من بين هذه الحركات، يبرز “الحزب الإسلامي” كواحدة من أبرز القوى التي لعبت دورًا مهمًا في التاريخ السياسي الأفغاني خلال العقود الأخيرة.
نشأة الحزب الإسلامي
تأسس الحزب الإسلامي الأفغاني في السبعينيات من القرن العشرين على يد قلب الدين حكمتيار.
كان الحزب في البداية حركة مقاومة ضد التدخلات الخارجية في أفغانستان، وخاصة ضد الغزو السوفيتي في الثمانينيات.
هدف الحزب إلى تأسيس نظام إسلامي يعتمد على الشريعة، وكان يعارض بشدة أي وجود علماني أو شيوعي في البلاد.
الأيديولوجيا والمبادئ
يرتكز الحزب الإسلامي على أيديولوجية إسلامية متشددة تتطلع إلى إقامة دولة تحكمها الشريعة الإسلامية.
يعتبر الحزب نفسه المدافع عن الإسلام ضد ما يراه تهديدات من الأيديولوجيات الغربية أو الشيوعية.
كما يدعم فكرة الجهاد كوسيلة لمواجهة الغزاة الأجانب، وكان ذلك موقفه الرئيسي أثناء الاحتلال السوفيتي.
إضافة إلى البعد الديني، كان الحزب يهدف إلى توحيد الأمة الأفغانية تحت راية الإسلام، لكنه كان يواجه تحديات من حركات أخرى ذات توجهات دينية أو قومية مختلفة، مثل حركة طالبان، التي ظهرت كقوة منافسة بعد انسحاب السوفييت.
دور الحزب في الحرب السوفيتية الأفغانية
مع بدء الغزو السوفيتي لأفغانستان في عام 1979، برز الحزب الإسلامي كواحد من أقوى فصائل المجاهدين الذين قاتلوا ضد السوفييت.
حصل الحزب على دعم مالي وعسكري من دول مثل الولايات المتحدة وباكستان، حيث رأى الغرب فيه حليفًا طبيعيًا ضد الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة.
كان حكمتيار قائدًا ميدانيًا كاريزماتيًا، ولعب دورًا حاسمًا في تنظيم وتوجيه العمليات العسكرية ضد القوات السوفيتية.
لكن علاقته المتوترة مع الفصائل الأفغانية الأخرى أثرت على وحدة المجاهدين، حيث اشتبك مع مجموعات مثل تحالف الشمال بقيادة أحمد شاه مسعود.
ما بعد الحرب السوفيتية
بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان في عام 1989 وسقوط الحكومة الشيوعية، انخرط الحزب الإسلامي في الحرب الأهلية التي نشبت بين الفصائل المختلفة المتنافسة على السلطة.
حاول حكمتيار الاستيلاء على كابول عدة مرات، لكنه واجه معارضة شديدة من التحالفات الأخرى، مما أدى إلى تفاقم النزاع.
خلال التسعينيات، كانت الحكومة الأفغانية تواجه انقسامات داخلية، والحزب الإسلامي كان يلعب دورًا كبيرًا في هذه الفوضى.
وعلى الرغم من دعمه للجهاد ضد الشيوعية، إلا أنه كان يرى في الحركات الأخرى، وخاصة طالبان، تهديدًا لنفوذه.
العلاقة مع طالبان
مع صعود حركة طالبان في منتصف التسعينيات وسيطرتها على معظم أنحاء البلاد، أصبح الحزب الإسلامي في موقف حرج. في البداية، كان الحزب يعارض طالبان، حيث اعتبرها منافسًا له.
لكن بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان في عام 2001 وسقوط حكومة طالبان، حاول حكمتيار إعادة تنظيم الحزب وتوجيه جهوده لمعارضة الاحتلال الأمريكي والحكومة الجديدة التي تأسست تحت إشراف المجتمع الدولي.
في السنوات التالية، حاول الحزب الإسلامي التكيف مع المتغيرات السياسية. وفي بعض الأحيان، كان يقيم تحالفات مؤقتة مع طالبان، إلا أن العلاقة بين الطرفين ظلت معقدة بسبب الاختلافات الأيديولوجية والسياسية.
المشاركة في العملية السياسية
مع مرور الوقت، وفي ظل الضغوط الدولية والمحلية، قرر الحزب الإسلامي في عام 2016 الانضمام إلى العملية السياسية في أفغانستان.
وقع الحزب بقيادة حكمتيار اتفاقية سلام مع الحكومة الأفغانية، مما سمح له بالعودة إلى كابول والمشاركة في المشهد السياسي الرسمي.
كان هذا القرار مثيرًا للجدل، حيث اعتبر البعض أن الحزب الإسلامي قد تخلى عن مبادئه الجهادية، بينما رأى آخرون أنه خطوة نحو تحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية في أفغانستان.
في الختام
يعد الحزب الإسلامي واحدًا من أبرز الحركات السياسية في التاريخ الحديث لأفغانستان. من خلال تبنيه للأيديولوجيا الإسلامية والتزامه بالجهاد ضد القوى الأجنبية، استطاع الحزب أن يلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل مستقبل البلاد.
ومع ذلك، فإن التحديات التي واجهها سواء من الداخل أو الخارج جعلته يتحول من حركة جهادية إلى لاعب سياسي يسعى لتحقيق أهدافه من خلال السبل الدبلوماسية.
اقرا ايضا: قادة حركة طالبان.. نظرة على الشخصيات البارزة