أبقراط، الذي يُعتبر مؤسس الطب الحديث، هو شخصية بارزة في تاريخ الطب، وتأثيره لا يزال ملموساً حتى يومنا هذا.
وُلد في جزيرة كوس باليونان القديمة حوالي عام 460 قبل الميلاد، ويُعد أحد أهم الأطباء في التاريخ، حيث وضع الأسس التي بُني عليها الطب الحديث.
نشأة أبقراط وحياته
وُلد أبقراط في عائلة لها تاريخ طويل في مجال الطب. كان والده هيراكليديس، طبيباً أيضاً، ويُقال إن عائلته ادعت نسباً يمتد إلى إله الطب اليوناني أسكليبيوس.
تلقى أبقراط تعليمه الطبي من والده وعلماء آخرين، مما أتاح له الفرصة لاكتساب معرفة واسعة في مجال الطب.
بعد فترة تعليمه، سافر أبقراط إلى العديد من البلدان والدول القديمة، مثل مصر وآسيا الصغرى، حيث قام بدراسة أنظمة الطب المختلفة.
وكان لهذه الرحلات دور كبير في تشكيل فهمه الشامل للطب وتطوير نظرياته الخاصة.
ثم عاد إلى جزيرة كوس، حيث أسس مدرسته الطبية الخاصة التي أصبحت لاحقاً مركزاً مهماً للتعلم الطبي.
إسهامات أبقراط في الطب
واحدة من أهم إسهامات أبقراط في مجال الطب هو تطوير “النظرية الأخلاطية”، والتي كانت تستند إلى فكرة أن صحة الإنسان تعتمد على التوازن بين أربعة أخلاط: الدم، الصفراء، البلغم، والمادة السوداء.
وكان يعتقد أن أي اختلال في هذا التوازن يؤدي إلى المرض. رغم أن هذه النظرية تعتبر غير دقيقة بالمعايير العلمية الحديثة، إلا أنها كانت خطوة متقدمة في محاولة فهم أسباب الأمراض والتعامل معها بطريقة منهجية.
كما قدم أبقراط فكرة “التشخيص” و**”المراقبة”** كأدوات أساسية في مهنة الطب. كان يؤمن بأن الطبيب يجب أن يعتمد على ملاحظاته الدقيقة لأعراض المريض وسجله الطبي قبل تقديم العلاج.
هذا كان تطوراً هائلاً في الوقت الذي كان يُعزى فيه المرض إلى القوى الخارقة أو العقاب الإلهي.
ومن إسهاماته الأخرى، تقديم فكرة “الطب الوقائي”، حيث شجع الناس على الحفاظ على صحتهم من خلال التوازن في الغذاء، والنشاط البدني، والنظافة. كان يعتقد أن الوقاية من الأمراض أفضل من معالجتها.
قسم أبقراط وأخلاقيات الطب
ربما يكون قسم أبقراط هو أحد أشهر إسهاماته وأطولها تأثيراً. هذا القسم، الذي لا يزال يُستخدم كتقليد في العديد من كليات الطب حول العالم حتى اليوم، يمثل مدونة أخلاقية لأطباء المستقبل.
القسم يشدد على أهمية الالتزام بالمسؤولية الأخلاقية للطبيب تجاه مرضاه، بما في ذلك تجنب الضرر، والحفاظ على السرية، وتقديم الرعاية الصحية بغض النظر عن العرق أو الطبقة الاجتماعية.
تأثير أبقراط على الطب الحديث
تأثير أبقراط على الطب الحديث لا يمكن تجاهله. فهو من أوائل من أرسى مبادئ الملاحظة الدقيقة والتشخيص المستند إلى الأدلة.
لقد انتقل بالطب من كونه مهنة تعتمد على السحر والدين إلى حرفة علمية تعتمد على المنطق والملاحظة.
كما ساهم في تطوير مفهوم الطب السريري، حيث يركز الطبيب على مراقبة وفحص المريض بشكل شخصي.
ورغم أن الكثير من نظريات أبقراط حول أسباب الأمراض قد تم تحديثها أو استبدالها مع تقدم العلم، فإن أساليبه في التفكير والتحليل لا تزال تشكل حجر الأساس للطب الحديث.
على سبيل المثال، لا تزال فكرة الملاحظة السريرية والتشخيص التفريقي جزءاً أساسياً من التدريب الطبي اليوم.
تراث أبقراط
يُعتبر أبقراط رمزاً للتعليم الطبي الحديث، واسمه مرتبط بأخلاقيات المهنة التي تحكم الممارسة الطبية حتى اليوم.
الكثير من المستشفيات والمراكز الطبية في جميع أنحاء العالم تحمل اسمه، تكريماً لإسهاماته.
وفي الخلاصة، لا يمكن الحديث عن تطور الطب عبر العصور دون ذكر أبقراط. بفضل منهجه العلمي وأفكاره حول أخلاقيات الطب، ساهم في تحسين حياة ملايين البشر عبر التاريخ.
وبينما تتطور العلوم الطبية يوماً بعد يوم، يبقى تأثير أبقراط حياً كمصدر إلهام للأطباء والباحثين، ومنارة تُضيء طريق الممارسة الطبية الرشيدة.
اقرا ايضا: أرطغرل.. أب الدولة العثمانية